الرقة البيضاء في العهد البيزنطي
العهد الروماني بدأ في سورية سنة( 64ق.م) ،وهذا العهد كان يدين بالوثنية حتى عام(315م)،ففي هذا
العام إعترف اﻹمبراطور"قسطنطين"بالدين المسيحي كدين رسمي للدولة ومنذ ذلك التاريخ سميت بالدولة
البيزنطية نسبة إلى مدينة بيزنطة،كان قد أسسها اﻹغريق على البسفور في القرن السادس قبل الميﻻد، واليوم هي مدينة "إسطنبول".بالعودة إلى الرقة البيضاء في العهد البيزنطي،فاﻷستاذ"كريزول"قد زار
"الرقة"عام(1907م)وعمل لهامخططا،يعطي للرقة البيضاء إسما في العهد البيزنطي"كالينيكوم" نسبة لأحد أباطرة الرومان المدعو"غلينوس" المتوفي عام(266م)،وحدث جدال بين العلماء على هوية
المدينة،فالعالم"دونان" يرى أن تكون المدينة واقعة تحت الحكم البيزنطي وأن نمطها المعماري بيزنطي الطراز،إﻻ أن العالم"هونيغمان"يعتبرها هيلينية الطراز، ومع احترامنا لكﻻ العالمين الجليلين سابقي الذكر،فإن
المدينة مشيدة في أرض شرقيةوغالبية سكانهاحينئذ من اﻵراميين والعرب،وأقلية يونانية،ورومانية، ويهودية،فإن كل اﻹبداعات فيها هي من صنع أهل المدينة،وبالتالي فإن أعمالهم تحاكي الواقع،والبيئة المحلية،والمثال على ذلك مدينةتدمر اﻵثرية،ودورا أروبوس على الفرات..تقع المدينة الرومانية-البيزنطية إلى الشرق من باب بغداد،وآثارها مغيبة أسفل البيوت الحديثة في"حي المشلب"،وفي عهد الحاكم (جوليان)، كانت"كالينيكوس"،حصنا منيعا في
وجه الفرس،ومركزا تجاربا مهماعلى الفرات..وفي عام(393م)إحترق فيها كنيس يهودي،كان يقع في مكان جامع"الحليسات الحالي". وتعرضت "كالينيكوس-الرقة البيضاء"إلى هزة أرضية فخربتها في القرن الخامس م،أﻻ أن اﻹمبراطور(ليون2)،الذي حكم الشرق عام(473م)،وأطلق عليها إسم جديد
(ليونتوبولس)"يعني بارك المدبنة بإسمه"،وجعل المدينة متروبولوتية "أي ذات أهمية دينية"،وأمر بتكليف أسقفا عليها.وفي عام(503م)تعرضت
المدينة لهجوم مباغت من فبل الفرس، إﻻ أن القائد"تيموسراتوس" دافع عن المدينة دفاعا قويا..وفي عام(530م) منحها اﻹمبراطور (جوستنيان) منحة تجارية تعود عليها بالربح المادي الجيد إذ جعل من المدينة مركزا مهما على طريق الحرير إلى جانب "أرتكسانا"و"نصيببن"،وفي القرن السادس ميﻻدي أستولى عليها ملك الغرس"كسرى"
بسهولة،ﻷن أسوارها آنذلك كانت تحضع ﻷعمال ترميم واسعة وقد خرب أسوارها،لكن اﻹمبراطور
"جوستنيان" أنهضها من هذا الدمار، وبنى فيها أسوارا قوية ومنيعة بسبب الحروب المستمرة ببن الفرس والروم وكانت المدينة تؤول تارة إلى الروم وتارة أخرى إلى الفرس،وقبيل ظهورالاسﻻم استقرت المدينة بيد الروم بعد انتصارهم اﻷخير والساحق على الفرس.كان أهل الرقة أغلبهم من اﻵراميين، والعرب،والسريان،وبعض اﻷقليات اﻷخرى،وكلهم كانوا بدينون بالمذهب المسيحي اليعقوبي أي
من القائلين أن للسيد المسيح طبيعة واحدة وأقنوما واحدأ،وهذا المذهب أحد مذاهب الكنيسة الشرقية منسوبا إلى"يعقوب البرادعي"المولود سنة
( 500م)..كانت الرقة مركز أسقفية وكان بالقرب منها دير عظيم الشأن هو دير"زكى" يقع في الزاوية الجنوبية الشرقية من تل"البيعة"،وكان الدير عامرا في زمن الشاعر "الصنوبري" أحد شعراء "سيف الدولة"،ولكنه بعد وفاة إبنته الوحيدة حزن عليها حزنا شديدا،وعاش بقية حياته في الرقه،
ومات ودفن فيها جاء شعر "الصنوبري"مقرونا بوصف
الرقة،وطبيعتها،وحزنه الشديد حيث قال:
ﻻتلمني بالرقتين ودعني
إن قلبي بالرقتين دفين
وكان الدير ما زال عامرا في زمنه الذي تفنن في وصف طبيعته الخﻻبة،ورياضه الجميلة،وكان المسيحيون في ذلك الزمان يقصدون دير"زكى"من كل أنحاء الجزيرة السورية العليا للزيارة نظرا ﻷهميته،ويعتبر هذا الدير وحدا من أهم اﻷديار السريانية،وقد بني في القرن الخامس م قريبا من الفرات وعلى جنبيه نهر البليخ،وكان في هذا الدير مدرسة ﻻهوتية معروفة حينها، ويقصدها الرهبان للتعليم،ومن أشهر رهبانه(مار يوحنا ابن قورسوس)
الرقي المسهور ب"يوحنا التلي"،وكان التلي عربي اللسان،تعلم وتضلع باللغتين السريانية،واليونانية وساهم في علوم الترجمة من هذه اللغات إلى العربية،ومن مشاهير رهبان دبر(زكى)أيضا "مار قرقياقس" 624-578م وكان عامرا بزمن"أبي الحسن علي بن محمد" المعروف ب"الشابشتي" المتوفى
سنة(998م)،وكانت الملوك إذا مرت به نزلته أياما لحسن بناءه،وطيب موقعه،ومأكله،ومشربه،والراحة فبه ومن الذين نزلوا به الخليفه العباسي "هارون الرشيد"،وسكنه أيضا الشاعر "عبدالله بن طاهر"وقال فيه:
يا سروتي بستان زكى سلمتما
ومن لكما أن تسلما بضمان
وفي أيام أعياد الطائفة،تقوم مئات من الزائرين بزيارة الدير،محتفلين بمناسبات دينية،وفي واحدة من هذه الزيارات قال الشاعر"أبو الهيذام" يصف خروج مجموعات كبيرة من الزائرين إلى دير"زكى" لﻹحتفال، وإقامة المهرجانات،وإقبال مجموعات من المسلمين على الدير لمشاهدة هذه اﻹحتفاﻻت،حيث يصف الشاعر عبثه في ذلك اليوم،الذي شاهد في جموع الزائرين من "حران"و"مضر"
بقوله:
سقيا لحران انه بلد
أصبح للهو وهو مضمار
في يوم باعوثهم وقدنشروا
الصلبان والمسلمون نظار
فمن مهاة هناك مقبلة
ومن غزال عليه زنار
فعارضتني هناك شاطرة
منهم بها في الذراع أسوار
تقول لي،والدﻻل يصرعها
أنحن يا مسلمون كفار
فقلت يا غايتي ويا أملي
بل أنتم المؤمنون أخيار
اطلب منها بذاك تقربة
والشعراء الخباث فجار
فرق لي قلبا وملت بها
في دير زكى ونعمت الدار
ويروي"الصنوبري"قصة مأساوية حول دير"زكى"،أوردها"ياقوت الحموي" في "معجم البلدان"،أنه كان بالرها وراق يدعى"سعد الوراق"
كان شاعرا رقيقا..كانت دكانه مجلس كل شاعر،وأديب من الشام وديار مضر،وكان لتاجر نصراني بالرها ابن اسمه"عبسى" من أجمل الناس وأحسنهم وجها،وذا خلق رفيع،وكان يجلس إلينا ويكتب من أشعار،وكنا جميعا نحبه، ونميل إليه،
فعشقه"سعد الوراق"عشقا ﻻ حد له، وكان يقول فيه اﻷشعار، وخرج به أهله إلى دبر"زكى" في الرقة،حيث أصبح
عيسى راهبا،فلحق به"سعد الوراق" ولزم الدير، والرهبان ينكرون منه ذلك ويصدون في وجهه باب الدير،وفي إحدى الليالي مر به " الصنوبري" وهو يستظل بجدران الدير،فألقى عليه السﻻم وعنفه وعذله..فقال سعد "للصنوبري"أترى ذاك الطائر الذي فوف هيكل الدير مشيرا إليه بسبابته، فقال الشاعر نعم، فقال سعد :"أنا وحقك أناشده منذ الغداة ليسقط فأحمله رسالة إلى عيسى ثم التفت إلي وقال ياصنوبري ؟ أمعك ألواحك ؟
قلت نعم. قال أكتب"*معجم البلدان*:
بحقك يا حمامة دير زكى
وباﻹنجيل عندك والصليب
قفي وتحملي مني سﻻما
إلى قمر على غصن رطيب
ثم أنه وجد في إحدى الليالي بقرب الدير وقد فارق الحياة، وكان "عيسى" إذا دخل الرها،صاح به صبيه الحي يا قاتل " سعد" راشقين إياه بالحجارة، ومن ثم جاء به أهله إلى دير"سمعان"ولدينا وثيقة تاريخية "ﻹبن الفضل العمري" يصف فيها حياة أهل منطقة
الرقة،وفي هذه الوثيقة وصف رائع لهيئة زوار الدير،وهذه مأخوه من نص
في كتاب"ابن الفضل الله العمري"
"مسالك اﻷبصار"ص(265-364). يقول فيها: "حكى الحسن بن يعقوب (يصف موكب نصارى بطريقهم إلى عيد دير"زكى")صرت إلى الرها فبت فيها وخرجت قبل عيد الصليب بيوم فإذا الدنيا وجوه حسان من نصرانيان خرجن لعيدهن،عليهن جيد الثياب وفاخر الجواهر،وإذا روائح المسك والعنبر قد طيب الهواء منها. وقد فرش لهن على العجل، وهي تجري بهن واخريات على الشهاري الخراسانية ،والبغﻻت المصرية والحمر الفره ومشاة.وفي خﻻل ذلك صبيان ما رأيت أحسن وجوهأ وقدودأ وثيابأ منهم فتأملت منظرأ لم أر أحسن منه قط.
وإذا هم يطلبون دير"زكى" ليعيدوا فيه.والشاعر"الصنوبري"له عدة قصائد في دير"زكى" أوحت بها إليه مفاتن هذاالدير، والطبيعة الخﻻبة التي تحيط
به،حيث كان يقضي أغلب أوقاته هناك
إذ يقول:
حبذا المرج حبذا العمر ﻻ بل
حبذا الدير حبذا السروتان
قد تجلى الربيع من حلل الزهر
وصاغ الحمام طيب اﻷغاني
ويقول فيه أيضأ:
أراق سجاله بالرقتين
جنوبي صخوب الجانبين
تضاحكا الفرات بكل فج
فتضحك عن نضار أو لجبن
كأن عناق نهري دير زكى
إذا اعتنقا عناق متيمين
وبا سفن الفرات بحيث تهوي
هوى الطير بين الجهلتين
وبعض الشعراء قالوا فيه:
قصور الصالحية كالعذارى
لبسن حلبهن ليوم عرس
والصالحية يقال لها البوم صويلح تقعةعلى البلبخ تتاخم "نكبب"و"العوالي" شرق تل البيعة وشمال تل زيدان ، وكانت الصالحية من أكبر ضواحي مدينة الرقة في العصر اﻹسﻻمي
وفي الصالحية هذه يقول الشاعر
الصنوبري:
اني طربت إلى زيتون بطياس
فالصالحية ذات الورد واﻵس
قل للذي لام فيه هل ترى كلفأ
باملح الروض الا املح الناس
وبطياس هي "نكيب" الحالية كانت مسهورة بزبتونها..وبعيدأ عن الرقة
ب(50كم) جنوبا جددت مدينة الرصافة
في أواخر العصر البيزنطي،وخﻻل أعمال التنقيب اﻷثري في الرصافة تم
العثور على لوحة من المرمر مكتوب
عليها بالخط السرياني تم تجديد البناء فيها في عهد المطران"أبرهام"
سنة(556م) وفي القادم من اﻷيام سيكون هناك حديث مفصل عن مدينة الرصافة اﻷثرية..هذه هي الرقة دائمأ وﻻدة ومعطائة،وهي وإن دمرها اﻷشرار،فهي مهرة أصيلة ستنهض من
جديد إن شاء الله
الباحث محمد العزو
العام إعترف اﻹمبراطور"قسطنطين"بالدين المسيحي كدين رسمي للدولة ومنذ ذلك التاريخ سميت بالدولة
البيزنطية نسبة إلى مدينة بيزنطة،كان قد أسسها اﻹغريق على البسفور في القرن السادس قبل الميﻻد، واليوم هي مدينة "إسطنبول".بالعودة إلى الرقة البيضاء في العهد البيزنطي،فاﻷستاذ"كريزول"قد زار
"الرقة"عام(1907م)وعمل لهامخططا،يعطي للرقة البيضاء إسما في العهد البيزنطي"كالينيكوم" نسبة لأحد أباطرة الرومان المدعو"غلينوس" المتوفي عام(266م)،وحدث جدال بين العلماء على هوية
المدينة،فالعالم"دونان" يرى أن تكون المدينة واقعة تحت الحكم البيزنطي وأن نمطها المعماري بيزنطي الطراز،إﻻ أن العالم"هونيغمان"يعتبرها هيلينية الطراز، ومع احترامنا لكﻻ العالمين الجليلين سابقي الذكر،فإن
المدينة مشيدة في أرض شرقيةوغالبية سكانهاحينئذ من اﻵراميين والعرب،وأقلية يونانية،ورومانية، ويهودية،فإن كل اﻹبداعات فيها هي من صنع أهل المدينة،وبالتالي فإن أعمالهم تحاكي الواقع،والبيئة المحلية،والمثال على ذلك مدينةتدمر اﻵثرية،ودورا أروبوس على الفرات..تقع المدينة الرومانية-البيزنطية إلى الشرق من باب بغداد،وآثارها مغيبة أسفل البيوت الحديثة في"حي المشلب"،وفي عهد الحاكم (جوليان)، كانت"كالينيكوس"،حصنا منيعا في
وجه الفرس،ومركزا تجاربا مهماعلى الفرات..وفي عام(393م)إحترق فيها كنيس يهودي،كان يقع في مكان جامع"الحليسات الحالي". وتعرضت "كالينيكوس-الرقة البيضاء"إلى هزة أرضية فخربتها في القرن الخامس م،أﻻ أن اﻹمبراطور(ليون2)،الذي حكم الشرق عام(473م)،وأطلق عليها إسم جديد
(ليونتوبولس)"يعني بارك المدبنة بإسمه"،وجعل المدينة متروبولوتية "أي ذات أهمية دينية"،وأمر بتكليف أسقفا عليها.وفي عام(503م)تعرضت
المدينة لهجوم مباغت من فبل الفرس، إﻻ أن القائد"تيموسراتوس" دافع عن المدينة دفاعا قويا..وفي عام(530م) منحها اﻹمبراطور (جوستنيان) منحة تجارية تعود عليها بالربح المادي الجيد إذ جعل من المدينة مركزا مهما على طريق الحرير إلى جانب "أرتكسانا"و"نصيببن"،وفي القرن السادس ميﻻدي أستولى عليها ملك الغرس"كسرى"
بسهولة،ﻷن أسوارها آنذلك كانت تحضع ﻷعمال ترميم واسعة وقد خرب أسوارها،لكن اﻹمبراطور
"جوستنيان" أنهضها من هذا الدمار، وبنى فيها أسوارا قوية ومنيعة بسبب الحروب المستمرة ببن الفرس والروم وكانت المدينة تؤول تارة إلى الروم وتارة أخرى إلى الفرس،وقبيل ظهورالاسﻻم استقرت المدينة بيد الروم بعد انتصارهم اﻷخير والساحق على الفرس.كان أهل الرقة أغلبهم من اﻵراميين، والعرب،والسريان،وبعض اﻷقليات اﻷخرى،وكلهم كانوا بدينون بالمذهب المسيحي اليعقوبي أي
من القائلين أن للسيد المسيح طبيعة واحدة وأقنوما واحدأ،وهذا المذهب أحد مذاهب الكنيسة الشرقية منسوبا إلى"يعقوب البرادعي"المولود سنة
( 500م)..كانت الرقة مركز أسقفية وكان بالقرب منها دير عظيم الشأن هو دير"زكى" يقع في الزاوية الجنوبية الشرقية من تل"البيعة"،وكان الدير عامرا في زمن الشاعر "الصنوبري" أحد شعراء "سيف الدولة"،ولكنه بعد وفاة إبنته الوحيدة حزن عليها حزنا شديدا،وعاش بقية حياته في الرقه،
ومات ودفن فيها جاء شعر "الصنوبري"مقرونا بوصف
الرقة،وطبيعتها،وحزنه الشديد حيث قال:
ﻻتلمني بالرقتين ودعني
إن قلبي بالرقتين دفين
وكان الدير ما زال عامرا في زمنه الذي تفنن في وصف طبيعته الخﻻبة،ورياضه الجميلة،وكان المسيحيون في ذلك الزمان يقصدون دير"زكى"من كل أنحاء الجزيرة السورية العليا للزيارة نظرا ﻷهميته،ويعتبر هذا الدير وحدا من أهم اﻷديار السريانية،وقد بني في القرن الخامس م قريبا من الفرات وعلى جنبيه نهر البليخ،وكان في هذا الدير مدرسة ﻻهوتية معروفة حينها، ويقصدها الرهبان للتعليم،ومن أشهر رهبانه(مار يوحنا ابن قورسوس)
الرقي المسهور ب"يوحنا التلي"،وكان التلي عربي اللسان،تعلم وتضلع باللغتين السريانية،واليونانية وساهم في علوم الترجمة من هذه اللغات إلى العربية،ومن مشاهير رهبان دبر(زكى)أيضا "مار قرقياقس" 624-578م وكان عامرا بزمن"أبي الحسن علي بن محمد" المعروف ب"الشابشتي" المتوفى
سنة(998م)،وكانت الملوك إذا مرت به نزلته أياما لحسن بناءه،وطيب موقعه،ومأكله،ومشربه،والراحة فبه ومن الذين نزلوا به الخليفه العباسي "هارون الرشيد"،وسكنه أيضا الشاعر "عبدالله بن طاهر"وقال فيه:
يا سروتي بستان زكى سلمتما
ومن لكما أن تسلما بضمان
وفي أيام أعياد الطائفة،تقوم مئات من الزائرين بزيارة الدير،محتفلين بمناسبات دينية،وفي واحدة من هذه الزيارات قال الشاعر"أبو الهيذام" يصف خروج مجموعات كبيرة من الزائرين إلى دير"زكى" لﻹحتفال، وإقامة المهرجانات،وإقبال مجموعات من المسلمين على الدير لمشاهدة هذه اﻹحتفاﻻت،حيث يصف الشاعر عبثه في ذلك اليوم،الذي شاهد في جموع الزائرين من "حران"و"مضر"
بقوله:
سقيا لحران انه بلد
أصبح للهو وهو مضمار
في يوم باعوثهم وقدنشروا
الصلبان والمسلمون نظار
فمن مهاة هناك مقبلة
ومن غزال عليه زنار
فعارضتني هناك شاطرة
منهم بها في الذراع أسوار
تقول لي،والدﻻل يصرعها
أنحن يا مسلمون كفار
فقلت يا غايتي ويا أملي
بل أنتم المؤمنون أخيار
اطلب منها بذاك تقربة
والشعراء الخباث فجار
فرق لي قلبا وملت بها
في دير زكى ونعمت الدار
ويروي"الصنوبري"قصة مأساوية حول دير"زكى"،أوردها"ياقوت الحموي" في "معجم البلدان"،أنه كان بالرها وراق يدعى"سعد الوراق"
كان شاعرا رقيقا..كانت دكانه مجلس كل شاعر،وأديب من الشام وديار مضر،وكان لتاجر نصراني بالرها ابن اسمه"عبسى" من أجمل الناس وأحسنهم وجها،وذا خلق رفيع،وكان يجلس إلينا ويكتب من أشعار،وكنا جميعا نحبه، ونميل إليه،
فعشقه"سعد الوراق"عشقا ﻻ حد له، وكان يقول فيه اﻷشعار، وخرج به أهله إلى دبر"زكى" في الرقة،حيث أصبح
عيسى راهبا،فلحق به"سعد الوراق" ولزم الدير، والرهبان ينكرون منه ذلك ويصدون في وجهه باب الدير،وفي إحدى الليالي مر به " الصنوبري" وهو يستظل بجدران الدير،فألقى عليه السﻻم وعنفه وعذله..فقال سعد "للصنوبري"أترى ذاك الطائر الذي فوف هيكل الدير مشيرا إليه بسبابته، فقال الشاعر نعم، فقال سعد :"أنا وحقك أناشده منذ الغداة ليسقط فأحمله رسالة إلى عيسى ثم التفت إلي وقال ياصنوبري ؟ أمعك ألواحك ؟
قلت نعم. قال أكتب"*معجم البلدان*:
بحقك يا حمامة دير زكى
وباﻹنجيل عندك والصليب
قفي وتحملي مني سﻻما
إلى قمر على غصن رطيب
ثم أنه وجد في إحدى الليالي بقرب الدير وقد فارق الحياة، وكان "عيسى" إذا دخل الرها،صاح به صبيه الحي يا قاتل " سعد" راشقين إياه بالحجارة، ومن ثم جاء به أهله إلى دير"سمعان"ولدينا وثيقة تاريخية "ﻹبن الفضل العمري" يصف فيها حياة أهل منطقة
الرقة،وفي هذه الوثيقة وصف رائع لهيئة زوار الدير،وهذه مأخوه من نص
في كتاب"ابن الفضل الله العمري"
"مسالك اﻷبصار"ص(265-364). يقول فيها: "حكى الحسن بن يعقوب (يصف موكب نصارى بطريقهم إلى عيد دير"زكى")صرت إلى الرها فبت فيها وخرجت قبل عيد الصليب بيوم فإذا الدنيا وجوه حسان من نصرانيان خرجن لعيدهن،عليهن جيد الثياب وفاخر الجواهر،وإذا روائح المسك والعنبر قد طيب الهواء منها. وقد فرش لهن على العجل، وهي تجري بهن واخريات على الشهاري الخراسانية ،والبغﻻت المصرية والحمر الفره ومشاة.وفي خﻻل ذلك صبيان ما رأيت أحسن وجوهأ وقدودأ وثيابأ منهم فتأملت منظرأ لم أر أحسن منه قط.
وإذا هم يطلبون دير"زكى" ليعيدوا فيه.والشاعر"الصنوبري"له عدة قصائد في دير"زكى" أوحت بها إليه مفاتن هذاالدير، والطبيعة الخﻻبة التي تحيط
به،حيث كان يقضي أغلب أوقاته هناك
إذ يقول:
حبذا المرج حبذا العمر ﻻ بل
حبذا الدير حبذا السروتان
قد تجلى الربيع من حلل الزهر
وصاغ الحمام طيب اﻷغاني
ويقول فيه أيضأ:
أراق سجاله بالرقتين
جنوبي صخوب الجانبين
تضاحكا الفرات بكل فج
فتضحك عن نضار أو لجبن
كأن عناق نهري دير زكى
إذا اعتنقا عناق متيمين
وبا سفن الفرات بحيث تهوي
هوى الطير بين الجهلتين
وبعض الشعراء قالوا فيه:
قصور الصالحية كالعذارى
لبسن حلبهن ليوم عرس
والصالحية يقال لها البوم صويلح تقعةعلى البلبخ تتاخم "نكبب"و"العوالي" شرق تل البيعة وشمال تل زيدان ، وكانت الصالحية من أكبر ضواحي مدينة الرقة في العصر اﻹسﻻمي
وفي الصالحية هذه يقول الشاعر
الصنوبري:
اني طربت إلى زيتون بطياس
فالصالحية ذات الورد واﻵس
قل للذي لام فيه هل ترى كلفأ
باملح الروض الا املح الناس
وبطياس هي "نكيب" الحالية كانت مسهورة بزبتونها..وبعيدأ عن الرقة
ب(50كم) جنوبا جددت مدينة الرصافة
في أواخر العصر البيزنطي،وخﻻل أعمال التنقيب اﻷثري في الرصافة تم
العثور على لوحة من المرمر مكتوب
عليها بالخط السرياني تم تجديد البناء فيها في عهد المطران"أبرهام"
سنة(556م) وفي القادم من اﻷيام سيكون هناك حديث مفصل عن مدينة الرصافة اﻷثرية..هذه هي الرقة دائمأ وﻻدة ومعطائة،وهي وإن دمرها اﻷشرار،فهي مهرة أصيلة ستنهض من
جديد إن شاء الله
الباحث محمد العزو
تعليقات