دور الفرات الحضاري والتجاري عبر العصور
ﻻيقتصر دور الفرات فقط على ري اﻷراضي الزراعية بكل أشكالها مما ساعد على استقرار اﻹنسان، بل كان أيضأ من أهم طرق المواصﻻت في العالم القديم، حيث إزدهرت التجارة بين البلدان وقامت مدن وبلدات على ضفافه.وعم الرخاء وإزدياد الرفاهية وتجمع رأس المال..وفي مقارنة بين نهر الفرات ونهر النيل، نجد أن الفرات أقل مﻻئمة للمﻻحة من نهر النيل، وذلك بسبب إختﻻف العمق بينهما من مكان ﻷخر، حيث أن الفرات تكثر فيه أماكن الضحالة من مكان ﻷخر يسميها أهل الرقة ،المخاضات، لكن اﻹنسان جبار والحاجة أم اﻹختراع، إذ أن اﻹنسان الفراتي تغلب على هذه الصعوبة المرة، بأن إبتكر قوارب وسفن مسطحة القاعدة ومستقيمة الجوانب، ومزودة بمجاذيف للدفع، وهذه السفن لم تعرف اﻷشرعة، ﻷن شدة إندفاع التيار أقوى من حركة الرياح، ومع هذا إستطاع اﻹنسان الفراتي تحدي جبروت وعهر النهر واستعاض عن الشراع بسحب السفينة بالحبال، وإنشاء محطات استراحة وتبديل على طول ضفاف النهر من الجانبين..والحديث عن دور الفرات في المﻻحة النهرية، يتم وفق وثائق تاريخية كتابية معروضة في المتاحف السورية والعراقية والعالمية، وفي المتحف العراقي توجد نصوص كتابية مسمارية مكتشفة في"أور" تتحدث عن مجموعة من العمال، كانوا خﻻل عدة أيام يقومون بسحب السغينة وهي محملة بالحبوب من نقطة ألى أخرى، ثم يفرغونها ويعيدون تعبئتها بمواد جديدة ويبحرون فيها وهذه السفن المسطحة التي كانت تسمى بالقفة، كانت (مألوفة في العصر الحديث في دير الزور، وفي الرقة في بداية القرن العشرين الميﻻدي، حيث كان يجري سحب هذه السفن بالحبال وهي محملة بالمواد الزراعية وحطب الطرفة)، وفي نص سومري مسماري يطالعنا أن ما عدده(84) إمرأة قمن خﻻل خﻻل عشرة أيام بتعبئة محصول كامل من القمح والشعير وجر وتفريغ حمولة سفينة كاملة، وهناك رقم مسمارية آكادية يستفاد منها، أن النسوة كن يكلفن بسحب السفن وجرها بالحبال ويقمن بتفريقها وتعبئتها، وفي نص مسماري آخر يفيد أن أربعين إمرأة من السبأيا والعبيد قمن بجر سغينة مليئة بأكياس التمور وتفريغها خﻻل ستة أيام، وللذهاب من مدينة/ﻻجاش/ العراقية إلى مدينة/نيبور/ العراقية أيضأ "المسافة بينهما حوالي 140كم ، يقوم سبعة عشر عاملأ بجر سفينة تحمل ثمانية عشر طنأ خﻻل نصف شهر ، ويقول اﻷستاذ قاسم طوير (في مقال له عن آثار حوض الفرات كتبه سنة 1983م)(..كانت مدينة توتول تشتهر في اﻷلف الثاني قبل الميﻻد بصناعة السفن) وكان الغرات يعج بكل أنواع السفن ومنها سفينة القفة، التي أثارت إعجاب ودهشة/هيرودوت/، وقد تركت اللغة اﻵكادية أسماء تلك السفن بأشكالها المختلفة، وتجدر اﻹشارة هنا إلى أن كلمة مﻻح السفينة باللغة العربية هي ذاتها دون أي تحريف في اللغتين البابلية واﻵكادية.. كانت التجارة الدولية والداخلية عبر نهر الفرات سببا رئيسأ في نشوء وإزدهار مدن وممالك عظيمة على الفرات لعبت دورأ مهمأ في التاريخ القديم، فمثلا/توتول/التي إزدهرت على الفرات،كانت تجبي الضرائب والرسوم من السفن المارة عبر ميناءها، وهذه الرسوم كانت تشكل موردأ هامأ لمدينة/توتول/ ، وكان تهرب أي سفينة من أي ميناء يذكر تقوم مصلحة الضرائب والرسوم بحجز السغينة وفرض عقوبة عليها، وبالمقابل ستتخذ تدابير مقابلة في موطنها اﻷصلي ، وفي رقيم مسماري من مملكة /ماري/ يطالعنا بما يلي : كتب ملك كركميش جرابلس الحالية في اﻷلف الثاني ق.م إلى ملك ماري ما يليها أنت ترى أن مركز توتول على البليخ والفرات قد حجز(30) خروفأ و (50) دنأ من النبيذ حتى أنه حجز زوجة صاحب السفينة.....اكتب اذن إلى توتول لفك حجزها ، وإن في مملكتي قام الموظفون لدى سماعهم الخبر بحجز عدد كبير من البضائع المرسلة إلى ماري وأخرى إلى توتول)(أ .قاسم طوير آثار حوض الفرات.1983.ص62-63)ﻻشك أنه كان للفرات دور سلبي كبير تمثل في تدمبر وخراب الكثير من اﻷراضي والمزروعات، وبالتالي عامل خراب لمواطن اﻹستقرار واﻻستيطان البشري، كذلك اﻷمر هو الحال في مجال التجارة سواءأ المحلية أو الدولية، ويشير اﻷستاذ قاسم طوير(آثار حوض الفرات، 1983م،ص 63-59) إلى ان بعض النصوص المسمارية التي تم العثور عليها في موقع/إيبﻻ/ تل مرديخ على الطريق بين حلب وحماة تلقي الضوء على أحداث أشبه بالقصة المروية، تقول هذه النصوص ؛ أن ملوك بﻻد الرافدين كانوا في اﻷلف الثالث ق.م معولين على المجوهرات ومواد الخام الثمينة والبضائع النفيسة الموجودة في بﻻد الشام وجنوب اﻷناضول من ذهب وفضة وأخشاب مطعمة بمواد ثمينة، ومملكة إيبﻻ الشهيرة تقع على مقربة من مصادر هذه المواد، لذلك كانت تعمل على استخراجها وتصديرها من هناك إلى ملوك وأمراء بﻻد ما بين النهربن ( الرافدين ) بواسطة القوافل البريه على ظهور الحمير والبغال حتى ميناء/إيمار/"مسكنة" على الفرات، ومن إيمار تحمل بواسطة السفن في الفرات عبر /توتول/ و / ماري/ ومن ثم بﻻد الرافدين، وكانت /إيبﻻ/ تحقق أرباحأ طائلة وتراكمت لديها ثروة كبيرة مما مكنها من توسبع رقعة أراضيها ونفوذها نحو الشمال والشرق وحفاضأ على مصالحها التجارية وتأمين طريق الفرات، عمدت /إيبﻻ/ على ضمان واستمرار هذه الثروة العظيمة، وذلك عن طريق عقد اﻷحﻻف مع مدن هامة ومعروفة تقع على الخابور والبليخ والفرات، غير أن /إيبﻻ/ كانت تعرف جيدأ أن مدينة قوية مثل ماري ذات شان خطير على الفرات، خاصة وأنها متحالفة مع مدن فراتية هامة مثل/توتول/وأن التجارة النهرية ﻻ تكون آمنة بدونها، لذلك اجتهدت إيبﻻ واحتلت مملكة/ماري/عسكريأ كونها كانت ذات قوة عظيمة، هذا اﻷمر أثار حغيظة ملوك آكاد ﻷن هذا اﻷمر يعني أن /إيبﻻ/ باتت هي القوة المسيطرة على منابع الثروة الطبيعبة الثمينة، وكذلك أنها باتت تتحكم بطرق الملاحة النهرية وعلى رأسها الفرات اﻷوسط واﻷعلى، ولهذا كله شد/سرجون اﻷول/ سنة(2350ق.م) باﻹغارة على مملكة/إيبﻻ/ وإحتل القصر الملكي،وإجبارها على عقد معاهدة بموجبها تدفع /إيبﻻ/ الجزية ﻷكاد وتحقيق إمتيازات إقتصادية ﻵكاد، إﻻ أن حفيد سرغون اﻷول/نارام سن/(2250ق.م) لم يقبل بتلك المعاهدة، ورأى أن اﻹمتيازات اﻹقتصادية ﻻ تكفي، بل ﻻ بد من اﻹستئثار بالثروة والنفوذ، إذ أنه.قام بالقضاء على إيبﻻ نهائيأ، وهو الملك المتباهي بهذا العمل الذي لم بسبقه أحدأ إليه، وهناك إشارات في نصوص مسمارية من مملكة ماري تفيد، بأن الملك الشهير/حمورابي اﻷول 1750ق.م/ هو اﻵخر تضايق ذرعأ من تصرفات ملوك ماري بفرضهما رسوم جمركية عالية على السفن التجارية، مما دفعه إلى القيام بإرسال قوة عسكرية كبيرة قضت على مملكة ماري قضاءأ مبرمأ. الفرات أيقونة عظيمة، فإلى جانب دوره الكبير الذي لعبه في المﻻحة النهرية وأثره اﻹقتصادي في نمو المدن والممالك الواقعة على ضفتيه ، لعب أيضأ دورأ عسكريأ مهمأ في التاريخ، يقول اﻷستاذ قاسم طوير(.. وسبب نشوء الثغور والربط العسكرية المستقرة ، وهذا أيضأ نوع من يأنواع اﻹستقرار البشري ، فالتجار يلحقون العسكر ويتكاثر حولهم طﻻب الرزق من وراء تقديم الخدمات ، وهكذا تتحول الثغور أو المحطات العسكرية إلى مدن عامرة مثل دورا أوروبس (الصالحية) وحلبيا وزلبيا)( قاسم طوير، آثار حوض الفرات ط.دورة مدرس.1983م- كراس 3. ص 62-63) وهكذا نرى أن الفرات كان له دور هام في نقل الجيوش، ففي رقيم مسماري أكتشف في أشور يفيد بأن ملك آشور/يشمي-دجن/كتب إلى أخيه وإلى أحد ملوك ماري يطلب منهما بأن يرسﻻ له قوة عسكرية تساعده على قمع تمرد حصل في آشور، كما أنه طلب منهمأ بأن يرسﻻ سفنأ نصفها محمل بالمواد التالية: دقيق ، بيرة ، قمح وشعير ليضلل الجواسيس الذين يراقبون النهر، كما أن الملك اﻵشوري الشهير/سنحريب/يقول في رقيم مسماري، بأنه نقل جيوشه بالسفن بينما هو سار على اﻷرض اليابسة، وعندما عبراﻻسكندر المقدوني الغرات من مخاضة تباكوس (الطبقة) أدرك اﻷهمية الكبرى لنهر الفرات من الناحية اﻹقتصادية والتجارية والعسكرية، فقام ببناء مدن على ضفافه مثل: دورا اوروبوس "الصالحية" ونيكوفوريوم "الرقة "؛ وفي العصرين الروماني والبيزنطي، كان الفرات خط مواجهة بين الروم و الفرس ، فإزداد عدد الثغور وشيدت مجموعة من الحصون والقﻻع علي ضفتي النهر، مثل: القلعة المسماة خطئأ بصفين يقابلها على الطرف الجزري حصن "ديدبة"، وبنيت أيضأ "قرقيسياء "، ثم بنيت حلبيا وزلبيا وقامت مدينة "سورا القديمة " عند قرية الحمام، وشيدت إيضأ مدينة الرصافة عندما قام اﻹمبراطور جوستنيان بإصﻻحاته الشهيرة في شق الطرقات وتعبيدها وتحسين الثغور.. وفي ظل الدولة العربية اﻹسﻻمية، شيدتة مدن وقﻻع وحصون على الفرات مثل "رقة واسط" و "الرافقة"ورحبة مالك بن طوق" .ويظل الفرات شريان الحياة وعطاءاته.كثيرة وخيراته جزيله
تعليقات