جنيات الهزع الأخير من الليل في الرصافة

الخرافات والحكايا الشعبية في الثفافة الصحراوية، هي حكايأ سردية تنتمي إلى عالم الوهم من خلال اللجوء، إلى استعمال الشخصيات الخيالية كالجان، والسعالي، والمارد، وفي بيئتنا الرقية يرد الهرط والعغريت، وسحال بطن أمو بالطبك وغيرها من الأسماء والمفردات، والذي يعني القبول بما يخالف الطبيعة، هذه المسميات الخرافية علقت في الذاكرة الشعبية عبر تمازج ثقافات مختلفة منذ زمن بعيد..لذلك نجد أن أهل الرقة في هجرتهم إليها في القرن التاسع عشر في البداية رفضوا السكن داخل الأسوار ﻹعتقادهم أن الأطﻻل مسكونة بالجان والعفاريت وغيرها، ونجد أن الأطفال منذ صغرهم قد جبلوا على هذه المسميات ورضعوا حليبها، نتيجة سلوك الأمهأت معهم في النهج التربوي، ففي كبرهم ظلت مﻻصقة لهم وظلوا حذرين والبعض منهم مصدق لوجودها.. والرصافة كمدينة أثرية كلها أطﻻل على شكل حفر وأحجار كبيرة متناثرة ومناصب وأبنية متصدعة ذات إرتفاعات غير متساوية، من يدخلها ليلأ يجدها موحشة فيخشاها، لذلك نجد ان السكان الذين يقطنون في محيطها يتحدثون عن سماعهم لأصوات غناء ورقص ودبكات داخل الأسوار في الهزع الأخير من الليل، وعندما تسأل احدهم فيما إذا كان قد رأى أحدأ منهم يقول ﻻ، حتى أن بعضهم يقول: أنا لم أسمع غناءهم واصواتهم بل فﻻن من الناس قال لي ذلك .. في بداية صيف عام (2000م) كنا في حملة تنقيب أثري في موقع الرصافة ، وعادة في المساء بعد تناول وجبة العشاء نجلس في باحة الحوش العربي الرقي المزود ب-( زكية ) مبلطة عريضة وطويلة نقعد جميعأ على أرضيتها نتحادث ونتسامر، كان يجلس معنا" أحمد الهواش" حارس موقع الرصافة يحدثنا في أغلب الأحيان عن جنيات الرصافة اللواتي كن يقمن الدبكة والرقص في أواخر الليل، وكان زميلنا" ميشو الشامي" يساله هل رأيت أحدأ منهن بأم عينك؟ فيجيب أحمد ﻻ، لكن كنت في بعض الاحيان اسمع أصواتهن وضحكاتهن، وفي ذات ليلة من الليالي، حيث كنا نفيق باكرأ في الساعة الرابعة والنصف صباحأ لتناول وجبة اﻹفطار وفي الساعة الخامسة نبدأ العمل، جاء إلينا الحارس أحمد مهرولأ وقال بهدوء : بلهجته المعتادة( يا اساتزه ) تعالوا واسمعوا جنيات الرصافة وهن يدبكن ويرفعن أصواتهن بالغناء عاليأ، بالفعل وقفنا خلف بيت البعثة وسمعنا أصوات غناء وضحك وهرج ومرج، وكان بعضهم يتكلم عن عظمة بناء الرصافة باللغة العربية حيث كان الصوت واضحأ آخر الليل، هرولنا صوب الأصوات مسرعين أنا والدكتورة "دورتي زاك" مديرة الموقع والحارس احمد، وما ان ولجنا داخل الاسوار من خﻻل ثلمة في بدن الضلع الجنوبي للسور، حتى بدت لنا الاصوات أكثر سماعأ، ولما دخلنا كنيسة القديس "سرجيوس" من مدخلها الجنوبي، أقبل علينا وجه حنطي جميل المنظر ترتسم عليه بسمة حلوة ومألوفة بالنسبة لي، مرحبأ وقائلأ أهلأ أخي أبا أثار، كان هو الأخ الدكتور علاء الدين الحجوان ابا أكرم العزيز أطال بعمره تعانقنا، وقال : نحن في رحلة سياحية تناولنا وجبة العشاء في مدينة السلمية متأخرين، ثم توجهنا إلى الرقة ولما وصلنا الرصافة وجه الصبح أراد اﻹخوة والأخوات زيارتها والكل منبهرين لما شاهدوه من عظمة مباني الرصافة، التفت المديرة "دورتي زاك" إلى الحارس أحمد وقالت: بهدوء بعربيتها التي تجيدها "أحمد هذا الشباب الحلو جنيات" ضحك طاقم البعثة الذين جاؤوا مسرعين لمشاهدة ما يجري آخر الليل في موقعهم الذي ينقبون فيه، ومنذ ذلك التاريخ لم يعد أحمد يتحدث عن جنيات الرصافة في توالي الليل.. الباحث محمد العزو

تعليقات

المشاركات الشائعة