جسرالرقة القديم
جسرالرقة القديم
كأنها بين الرقاق والخمر
إذا تبارين شآبيب مطر
وعند" هشام الكلبي " : ( إنما سميت الرقة، لأنها على
شاطئ الفرات ) ( الاعلاق الخطيرة). وفي العصر الحديث عندما انبعثت الحياة من جديد في مدينة الرقة مكان الخرائب والبقايا المعمارية المهجورة طيلة مئات السنين، كان ﻻبد أن يكون للفرات تأثير من حيث جوده وكرمه وعطاياه، ومن جهة اخرى تأثر المدينة بجموحه العارم أيام الفيضان الربيعي، بما يعنى أنهما كانا متفاهمين متى يكونون في حالة وئام ومتى يغضبون من بعضهما.. حتى الفرات في غضبه العارم، كان يترك على الأرض التي كان يغمرها ثم ينحسر عنها، طميا يتمثل بتربة خصبة ممتازة للزارعة المتنوعة وخاصة خضرة المقاثي والغبيات الرقية.. هذه هي الحالة اﻹيجابية لتأثير الفرات على مدينته المجاورة، اما الحالة السلبية فتتمثل في العزلة التي يفرضها النهر على الرقة أثناء فيضانه العارم، حيث يبلغ عرضه واحد كليو متر، وفي عام 1929م بلغ عرضه تسعة كيلو/م..هذا الواقع كان مانعأ أمام تطور المدينة وإتصالها بمدن الجنوب والغرب وخاصة العاصمة دمشق وحلب، وما كان أن يزول هذا المانع إﻻ ببناء جسر على النهر..هذا الأمل كان يراود أذهان ومشاعر أهل الرقة، لكن كانت هناك صعوبات وموانع جمة تحول دون بناء جسرا على الفرات، إلى أن هيأت الظروف الدولية الفرصة لبناء الجسر إبان الحرب العالمية الثانية في ربيع عام (1942م) بعد هزيمة فرنسا أمام ألمانيا الهتلرية، حيث أن مصلحة الحلفاء ارتأت أن يبنى جسرا على نهر الفرات في مدينة الرقة يؤمن لجيوشهم سرعة التنقل بين شمال منطقة الشرق الأوسط وجنوبه، في وقت أصبح الشرق أرض معارك ضارية وشرسة بين المعسكرين المتقاتلين، ولذا بني جسر الرقة الأول وهو ثاني جسر في التاريخ يبنى على الفرات في الرقة منذ عهد هشام بن عبد الملك الخليفة الاموي حتى تاريخ بنا جسرها الاول الحديث في عام(1942م). لقد بني جسر الرقة في فترة زمنية سريعة جدا وفي قمة فيضان النهر، واليوم توجد لوحة على مدخل الجسر، مكتوبة عليها نص باللغة اﻹنجليزية، وفيما يلي ترجمة نص اللوحة (سمي هذا الجسر"جسر غت" بإسم بانيه الذي صممه في ثﻻثة أيام وأكمل بناءه في أربعة أشهر ويومين منجزا أعمال في أوج الفيضان الرببعي، أمنت العوارض من صهاريج النفط المحترقة بفعل أعمال العدو الحربية وأمنت الركائز من أنابيب النفط المجتلبة من بغداد ومن أماكن بعيدة أخرى ، بدأ العمل بالجسر في 13 كانون الثاني عام(1942م) وافتتح للنقليات في(10) حزيران سنة(1942م)..
كانت سنوات الحرب العالمية الثانية سنوات عجاف على العالم وسورية بشكل عام وعلى الرقة بشكل خاص، لذلك كانت الفائدة المرجوة من بناء جسر الرقة الذي انتهى تشييدة للتو، لم تكن بالمستوى المطلوب إذ اقتصرت الفائدة فقط على سهولة تنقل السكان محليا
بين ضفتي النهر والأرياف، وكذلك بين مدينتهم والمدن السورية الأخرى وخاصة مدينه حلب، التي ترتبط معها بوشائج كثيرة منها إجتماعية وأخرى إقتصادية وتعليمية ( سهولة تنقل الطﻻب بين المدينتين لمواصلة التعليم في معاهد ومدارس حلب)، والتواصل بينها وبين المدن السورية الأخرى للعﻻج الطبي، واﻹتجار الضعيف نتيجة الواقع المرير..كان يوم الإستقﻻل العظيم من المحتل الذي كان يمارس سياسة فرق تسد ويلجم التطور والتقدم وسياسة اﻹفقار والتجهيل يوما عظيما
، وبعد زوال هذا اﻹحتﻻل الطويل للبلاد وبعد استقرار مدينة الرقة، نعم أهلها بالفائدة اﻹقتصادية من بناء الجسر الذي ازال عن كاهلهم أمور كثيرة وشكل حالة ربط وشائج بينهم وبين إخوتهم القاطنين على الطرف الأيمن
من النهر، كما شكل هذا الجسر حالة سياحية للسكان الذين كانوا يقومون بالمسير عليه للنزهة مساءا، وتغنى به شعراء الرقة رحمهم الله وحفظت لنا الذاكرة الشعبية مجموعة طيبة من الأغاني والأشعار، يمكن العودة إلى منشور الأستاذ أبا حازم الحمادة بهذا الخصوص.. بعد ربع قرن من الزمن شيد جسرا أخرا على الفرات بالقرب من الجسر القديم، وازدهرت الرقة وذاع صيتها بين المدن السورية الاخرى، وفي غفلة من الزمن هاجم الأشرار الرقة واحتلوها، ثم جاء أبناء العم سام ودمروا جسريها ثم كامل المدينة، لكن إن شاء الله بأعلى الرقتين سيزهر رمان البليخ وتخضر بساتين الفرات
الباحث محمد العزو
تعليقات