تل المريبط في اﻷلف العاشر قبل الميلاد

العصر الجليدي اﻷخير يقع بين اﻷعوام (000، 110 و 000، 10ق.م)، ففي هذا العصر طرأت عدة تغيرات جليدية بين تقدم وانحسار، وكان أقصى تقدم للجليد سنة(000، 18) ق.م ، وبدأ تراجع وانحسار الجليد تدريجيأ في نصف الكرة اﻷرضية الشمالي بين اﻷعوام(000، 18 و 000، 11ق.م)، وهذا اﻹنحسار كان المصدر الرئيس ﻹرتفاع مفاجئ في مستوى سطح البحر، وقد حدث أن غطت طبقات الجليد مساحات واسعة من أراضي أمريكا الشمالية وأوروبة الشمالية وآسيا الغربية في آخر أقصى تجلد، هذه الحالة أحدثت تأثيرأ عميقأ على مناخ الكرة اﻷرضية ، مسببة بإرتفاع في درجات الحرارة وتسببت في الجفاف والتصحر ، وارتفاع مستوى مياه البحر، ويرى علماء اﻵثار إن هذا العصر يقع في فترات العصر الحجري القديم والعصر المزيولوتي(يقع بين العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث) ..في هذا العصر خرج اﻹنسان من الكهوف والمغاور، وقام برحلة معرفية دامت آﻻف السنين، ويقول عالم اﻵثار الفرنسي/جان كوفان/(..أنه في نهاية العصر الجليدي 10000ق.م ، كانت منطقة بﻻد الشام والرافدين أكثر أمطارأ وخصبأ)(جان كوفان ،الوحدة الحضاربة في بﻻد الشام،ت.قاسم طوير، دمشق.1984م) كانت التجمعات البشرية على الفرات تعتمد في معاشها على الصيد البري والنهري وجمع والتقاط الثمار البري والحبوب البرية ..هذا النمط المعاشي كان نتيجة لوجود ظروف مناخية مﻻئمة لنمو اﻷعشاب الرعوية في البراري والهضاب والشعاب ، ونمو اﻷشجار على ضفاف اﻷنهار ، والتنقيبات اﻷثرية أسفرت عن أول عملية استقرار لﻹنسان، وعن بدء الزراعة وتدجين الحيوان، ومنذ العام (8500ق.م) أخذ السكان يشيدون بيوتأ ﻷول مرة في التاريخ..وقد مر المريبط بعدة مراحل ، وأثبت التنقيب اﻷثري السويات اﻷثرية التالية : (السوية اﻷولى من: 9800-10400ق.م ) في هذه الفترة بدء السكان يبنون بيوتأ على منحدر التل الغربي مطلة على النهر، هذه البيوت جزء من جدرانها محفورة في اﻷرض خاصة جدر السفح العلوي للتل، أما اﻷدوات المستعملة ، فهي من النوع الدقيق الميكروليتي الدقيق النطوفي"قياسأ باﻷدوات المكتشفة في وادي النطوف" بفلسطبن وهناك أدوات الرحى والمدق والفؤوس ، وفي هذه المرحلة اعتمد الناس على الصيد النهري والبري وخاصة الغزﻻن التي كانت تسرح في عانات كبيرة ترتع في الشعاب وأباطين اﻷودية والتﻻل، وصيد حمار الوحش واﻷرانب والخنزير، كما اعتمد السكان في هذه المرحلة على التقاط الثمار وجمع الحبوب والبقوليات التي كانت تنمو بكثرة في البرية، وكان أهم كشف في هذه المرحلة هو قرن الثور الذي وجد مغروزأ في جدران المنازل ، وهنا تظهر عبادة مبكرة للثور وظهور مبدأ مفهوم العين والحسد(السوية الثانية من : 9200-9800ق.م ) في هذه المرحلة أصبحت جدر البيوت تبنى فوق اﻷرض، كما طرأ تطور في صنع اﻷدوات الحجرية وخاصة رؤوس النبال المستعملة في الصيد، وكذلك اﻷدوات الزراعية ، وظهرت ﻷول مرة تماثيل مصنوعة من الحجر، ويعد المريبط الموقع الوحيد في العالم الذي كشف فيه استمرارية استيطانية بين نهاية العصر النطوفي ونهاية العصر الخيامي في فلسطين السوية الثالثة : (9000-9200ق.م) في هذه المرحلة أصبحت البيوت أكبر من بيوت المرحلة السابقة وأكثر إتساعأ وتنظيمأ لممارسة أنشطة داخل البيت الواحد، كما أنه حدث تطور كبير على اﻷدوات الحجرية المستعملة في الزراعة وﻻ سيما المناجل الزراعية المستعملة في حصاد الزرع، ،والرحى المستعملة في الطحن والجرش، كما ظهرت أواني حجرية وأسلحة مصقولة ، أما السكان فقد مارسوا الصيد البري من مختلف الخيليات والبقريات ، وظهرت الفنون الجميلة ذات الدﻻلة الدينية وخاصة تماثيل الربة اﻷم ، التي شاع إنتشارها وعبادتها حتى العصر الروماني وفي مرحلة ﻻحقة تمتد بين سنتي (7600-8000ق.م) تمكن إنسان المريبط من صنع اﻷواني الفخارية، وطرأت تغيرات على أشكال البناء ،إذ ظهرت ﻷول مرة غرف مستطيلة الشكل استخدمت كغرف للمونة والتخزين، ثم أنه بعد العام (6900ق.م) ظهرت بيوت غرفها مستطيلة الشكل،أما البيوت ذات الغرف المربعة فقد ظهرت في اﻷلف الرابعة ق.م، هذا التطور الهندسي المتسارع ظهر خﻻل ألفي سنة دون أي تأثيرات خارجية تذكر (يوليوس ليس، بداية الثقافات اﻹنسانية، ت. د.سلطان محيسن)؛لقد قدم المريبط للبشرية نموذجأ لبيوت انتشرت على ضفاف الفرات، وهي تعتبر أقدم مساكن شيدها اﻹنسان في التاريخ قاطبة، كل هذا اﻹبداع العظيم حدث على أرض الرقة، وكانت اﻹرهاصات اﻷولى لحضأرتنا المعاصرة

الباحث محمد العزو

تعليقات

المشاركات الشائعة