خراب الرقة على أيدي المغول والجند الخوارزمية

خراب الرقة



نجد في المصادر العربية اﻹسلامية وصفا دقيقا لخراب الرقة أثناء الغزو المغولي لها في عام(1258م) ، (فابن شداد) في كتاب (العلاق الخطيرة) يقول:(..واستولى التتار على البﻻد فخربوا الرقة)"ويقصد بذلك المدينة المسورة"، ولم يسكن بها أحد بعد ذلك حتى منتصف القرن التاسع عشر ميﻻدي، أما (أبو الفداء)، فقد أكد ذلك الخراب بقوله : ( والرقة في زماننا مدينة خراب ليس بها أنيس)، وزمانه يعود إلى القرن الثالت عشر ميﻻدي السابع الهجري، وأثناء الغزو المغولي كانت الرقة تتبع لحلب أﻷيوبية زمن واليها ( الناصريوسف الثاني) ، ولم
يكن خراب الرقة على أيدي التتار فجائيا، إنما جاء على اثر أحداث مفجعة ومؤسفة ساعدت في خرابها قبل وصول المغول إليها، فنتيجة لضعف الخﻻفة العباسية وسيطرة العنصر الأجنبي على مقاليد السلطة في الخﻻفة العباسية وضعف الوﻻة في أنحاء الخﻻفة، فقد عبر نهر الفرات عدد كبير من قوات الجند الخوارزمية يتجاوز عددهم عشرة آﻻف رجل سنة(641 هجر) وعاثوا في الرقة فسادا كبيرا، وقد تأثرت البﻻد السورية منهم بشكل مريع فما مروا بشيئ إﻻ ونهبوه ودمروه( مثلما فعل جنود الشر في الرقة في هذا الزمن)، هذا الفعل الشائن المقيت وهذه الأعمال اﻹجرامية البربرية من قبل جند الخوارزمية مهدت لخراب ودمار الرقة على أيدي المغول( ولمعرفة من هم الجند الخوارزمية، يمكن الرجوع إلى منشور الباحث الأستاذ أبا حازم الحمادة الرقة والجند الخوارزمية سنة 641هجر) ، فالمؤرخ( ابن ثغري بردي اﻷتابكي اليشقاوي الظاهري) يصف لنا هذا الخراب والدمار من قبل الخوارزمية بقوله : (،،وأما الخوارزمية فإنهم تغلبوا على عدة قﻻع وعاثوا وخربوا البﻻد، وكانوا شرا من التتار ﻻ يعفون عن قتل وﻻ عن سبي وﻻ في قلوبهم رحمة) "هذا ما حصل في الرقة تماما" .. وبعد أن فتحت أبواب مدينة السﻻم غدرا، ودخلها المغول في سنة (657هجر. = 1259م) اتجهت قواتهم صوب الغرب، حيث أنها مرت بالعديد من المدن العربية فدمرتها وحرقتها وكانت الرقة في جملة هذه المدن، وقبل وصول القوات المغولية للرقة وتدميرها إياها، كان قد نزح منها عدد هائل من سكانها، والمغول كما فعلوا ببغداد كرروا الصورة في الرقة، إذ أنهم دمروا المساكن وحرقوا المباني الحكومية وخاصة دار الحكمة الفكرية والثقافية التي أسسها الخليفة المأمون ، وفي العصر الحديث عثر اهل الرقة في داخل خرائبها على تﻻل هائلة من الرماد موزعة هنا وهناك مثل التل الأسود ومكان منطقة الصناعة، واثناء التنقيبات الأثرية عثر على بقايا حرائق وعضام بشرية هائلة كما في التل الأسود ومكان بيوت حي رميلة العشوائي، هذا الواقع الفظيع قضى على زهوة الحياة في المدينة التي غطت في النوم ولفظت أنفاسها إثر ضربة المغول الهمجية.. يقول المرحوم الباحث الأستاذ( محمد عبد الحميد الحمد) في كتابه ( تاريخ الرقة الحضاري) أن أغلب أهالي الرقة الذين هربوا منها قبل قدوم المغول ، قد أخفوا ما لديهم من مصاغ وأمتعة فاخرة ثمينة في الحفر مدفونة تحت التراب وفي الآبار وتحت أراضي غرفهم في مساكنهم على أمل العودة إليها بعد خروج التتار .. وبالفعل فإن دائرة أثار ومتاحف الرقة وضعت يدها في نهاية تسعينيات القرن الماضي على عدد كبير من النقود الذهبية يقدر عددها ب(560) قطعة ذهبية من عيار/24/قيراط عثر عليها مخبأة في أرضية منرل في نهاية شارع أبا الهيس أثناء حفريات أثرية للدائرة، عدد قليل من هذه النقود بقي في متحف الرقة والعدد الأكبر وضع في متحف دمشق الوطني، أما الذي بقي في متحف الرقة فيسأل عنه جنود الشر الشرانية .. لقد خاب أمل أهالي الرقة الذين هربوا منها في العودة إلى منازلهم ﻷن المغول بقوا فترة طويلة، وخﻻل فترة حكم المماليك كان التتار يسيطرون على كامل بقاع الجزيرة ، وكانوا يهاجمون بﻻد الشام.. ومنذ ذلك الزمان تحولت الرقة إلى مجموعة من الخرائب ينعق فيها البوم ﻻ أنبس فيها وﻻ جليس، حتى منتصف قرن السادس عشر ميﻻدي عندما هاجرت إليها القبائل العربية المتواجدة حاليا والتي سكنت ريف الرقة ومحيط المدينة، أما المدينة داخل الاسوار فقد سكنتها عشائر عربية هاجرت إليها في منتصف القرن التاسع عشر ميﻻدي

الباحث محمد العزو

تعليقات

المشاركات الشائعة