موقع تل البيعة الأثري.( توتول )
تل البيعة
تل البيعة، تل أثري يقع على بعد واحد كيلو متر شرق أسوار الرافقة الاسلامية، ويضم هذا التل في ثناياه بقايا مدينة توتول( Tuttul) المدينة السالفة للرقة، في الألف الثالث قبل الميلاد .. وورد ذكر توتول ( Tuttul ) القديمة في الرقم المسمارية، التي اكتشفت في مدينة ماري الأثرية، وكذلك في مسكنة ( ايمار)، وجاء ذكر توتول في تلك الرقم مرة أنها واقعة على الفرات، وتارة أخرى على البليخ، مما حير العلماء ولم يتمكنوا من تحديد موقعها بالتحديد، حتى قام عالم الآثار البلجيكي جورج دوسان بتحديد مكانها، على أنها تقع عند التقاء نهر الفرات برافده نهر البليخ.. وتوتول القديمة كان قد ضمها سرجون الآكادي إلى امبراطوريته الشاسعة، فاقترنت باسمه، كونه استمد قوته من إلاهها دجن، الذي جعل من سرجون ساقياً في خدمة ملك كيش في بلاد الرافدين، ثم أنه وهبه البلاد العليا، سورية، والأناضول ، ولبنان ،(1-*- موسوعة لانجر التاريخية، ص/53/ )..ولما أن سرجون قد اختار توتول كمنطلقأ لغزواته على الأناضول وبلاد البحر المتوسط (قد "رأيت تشابهاً بين اختيار سرجون هذا، ومن بعده هارون الرشيد للرقة منطلقاً لجيوشهم الفاتحة والمحاربة رغم تباعد الزمن بينهم" وكما فعل الرشيد من بعد سرجون بثلاثة ألف عام، حين اتخذ من الرقة منطلقاً لغزواته ضد الروم )، فإن لذلك مغزى مهم تطابق مع مغزى الرشيد بعد زمن طويل، ألا وهو أن توتول كان لديها فائض من الغذاء، نتيجة لكثرة وسعت أراضيها الزراعية وزراعتها المتطورة، (( وهي نفس الحالة التي كانت عليها الرقة زمن الخليفة هارون الرشيد، حيث كانت الرقة مركز تموين لكافة الجيوش المحاربة والمارة، لكثرة خيراتها الوفيرة )).. وقد عثر المنقبون في موقع مدينة ماري الأثرية على لوحة تأسيسية بمثابة وثيقة تاريخية، تشير إلى اسم ملك توتول المدعو ( باخلو كوليم )، وتشير أيضاً إلى اسم عشيرة ( أمنا نوم ) Amnanum ), التي نصبته ملكاً عليها، ومن هنا نقول كان هناك اعتقاد أن المجتمغ القديم القائم على الاتحادات العشائرية ، رأى ضرورة الإنتقال إلى مجتمع مدني جديد بدلاً من القديم بتشكيل دولة في مدينة توتول، والتي كانت في حالة مد وجزر، بسبب صراع مملكة يمحاض"حلب" مع مملكة ماري عليها ( كما فعل بعد ذلك بزمن طويل الرومان والفرس في صراعهما على الرقة، التي لم تعرف الهدوء حتى فَتْحها سنة/639م/.. وجاء في كتاب"الرقة درة الفرات" ص../35/:(.. فملك ماري "يخدون ليم"وصف نفسه بملك ماري وتوتول وذلك عندما حاول حاكم توتول التحالف مع المدعو توم وشيخ العبيرو/البدو/ المدعو"لاعوم"وملك ايماتوم المدعو"عبالوم" وعشائر الرابعيين تدعمهم قوات مملكة يمحاض ضد"يخون ليم" ملك ماري الذي انتصر على هذا التحالف في مدينة حمانوم"لعلها الحمام"، وقد يكون الإسم القديم لمدينة سورا( جحاش سورية) في الألف الثالث قبل الميلاد، أو أنه الاسم القديم لتل الثديين في المنصورة؟، وهدم أسوار توتول وأصبح لقبه ملك ماري وبلاد هانار).(2-*- الحوليات السورية. ص. ٢٣... **********
*- الرقة درة الفرات، مجموعة من الباحثين، مراجعة د. سهيل زكار، دمشق/1992م/. ص.35).. وأثناء حكم الملك "زيميري ليم بن الملك يخدون ليم"، قامت تورة وتمرد كبير في توتول بقيادة المدعو" ياشوب دجن"ضد حاكم المدينة المدعو" لاناسوم" الذي عينه ملك ماري، وقد ساعد الثوار في توتول ملك زلبا على البليخ" حمام التركمان"، استطاع حاكم المدينة بمساعدة قوات ملك ماري من إخماد ثورة سكان توتول، ثم عين" يخدون ليم" حاكماً جديداً اسمه"عبدو ما داجان"، الذي بنى فيها حصناً، ونقل إليها مهاجرين وجند من مدينة رابيكوم القريبة من توتول.. تعرضت مجموعة من مدن الفرات في النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد، لاجتياح عسكري من قبل ملك بابل"حمورابي"، ومن هذه المدن التي أخذها حمورابي، ماري،توتول، ايمار، فبعد هذا الاجتياح قلت أهمية توتول، وصارت مدينة غير ذات أهمية، وفي نهاية ثمانينات القرن الماضي، عثر المنقبون في تل الممباقة"أكالتا" القديمة الواقع على الضفة الشرقية لبحيرة الأسد، على رقيم مسماري عبارة عن عقد بيع في سوق الغنم، بين أربعة أشخاص أحدهم من توتول، وقال الدكتور والتر ماير قارئ الرقم المسمارية أن إسم التوتولي عزيز، وهذا دلالة على أن توتول ظلت مستمرة كمدينة حتى نحو عام/1350/ق.م.، وهو زمن التأزم بين الأشوريين والحثيين، الذي تم خلاله انقطاع العلاقات التجارية ما بين سورية وبلاد الرافدين.. في هذه الحقبة من الزمن ، ظهرت على مسرح الناريخ، مدينة سورا"جحاش سورية" الحمام الحالية، هذه المدينة برزت كحصن قوي، قاومت الملك الآشوري شلمانصر الثالث في يداية الألف الاول ق.م أي القرن التاسع ق.م لمدة عام كامل، لكن المدينة لم تستطع الصود فاحتلها الملك الآشوري، ووضع فيها جالية آشورية، وابتنى فيها قصراً ما زالت بقاياه واضحة للعيان، لكن قيل أن الجماعات المسلحة سهلته بمستوى الأرض.ثم قام الملك.الآشوري بتأسيس ولاية آشورية في سورا.. من جهة أخرى أصبحت مدينة الرصافة "راسابا" مقراً للحاكم الآشوري شكنو ، حيث تم حماية القوافل التجارية من غارات بدو الصحراء بقيادة زعيمهم جندب العربي سنة/850/ ق.م، الذي قاوم الحملات الآشورية ببسالة فائقة، وكان جندب يشكل خطرا دائماً على حامياتهم ( 3-*الكتاب المقدس، العهد القديم، سفر الملوك الثاني، الإصخاح : 19 -12. *********،،
*- وقائع الندوة الدولية لتاريخ الرقة وآثارها..1981م الصفحات:96/95).. وكانت هناك حملات آشورية أخرى على منطقة الرقة، منها حملة الملك الآشوري سنحاريب عام/701/ ق.م، حيث لم يرد ذكر توتول في الحوليات الآشورية لذلك العام، علماً ان مدن كثيرة جاء ذكرها، مثل تل حلف، تل حازان، والرصافة، وفي هذا القرن هناك معلومة جداً مهمة، تقول أنه دخلت قبيلتان بدويتان حوض البليخ هما قبيلتا رفقو و رقو، وبناء على ذلك هناك افتراض على تسمية الرقة، قد يكون مشتق من اسم قبيلة رقو او ريقو.. في هذا التاريخ انقطع الاستيطان الحضاري والمدني عن توتول فترة طويلة جداً، (هذا الإنقطاع الاستيطاني الطويل في توتول بعد تدميرها في نهاية الالف الثاني ق.م، يشبه الانقطاع، الذي حدث للرقة بعد تدميرها من قبل.التتار في القرن الثاني عشر ميلادي).. وأثناء أعمال التنقيب الأثري في تل البيعة توتول عثر على أبنية متواصلة ببن القرنين الثالث والسادس الميلاديين، ثم تحولت المنطقة إلى مقبرة خلال الفترتين اليونانية والرومانية، وخلال القرن السادس الميلادي عاش في تل البيعة راهب مسيحي عمودي، وأقيم بجانب التل من الشرق دير مار زكى، حيث كان مركز ديني وفكري هام، .. الدير يقع غرب البليخ فوق بروز أرضي من ضفة النهر. وهو منفصل عن التل الأحدث عهداً بمنخفضات طبيعية حوارية، ويخترقه خندق قناة قديم يعود بتاريخه إلى الألف الثالث قبل الميلاد. .
********
واسم توتول يعني "المطلة" المطلة ،كونها تطل على نهر الفرات يمينآ،وعلى البليخ شمالآ. وبعض العلماء يقولون ان كلمة (توتول) سومرية وتعني مدينة الآبار ، علماً أنه خلال أعمال التنقيب الأثري، لم يعثر المنقبون في الموقع إلا على بئرين فقط ،ولأن المدينة كانت محاطة بالمياه من كل الجهات تقريبآ لذلك لم يقم الأهالي بحفر آبار كثيرة.. المدينة شيدها الآكاديون والبابليون، وبدأ التنقيب الأثري فيها منذ عام /1981/م من قبل بعثة ألمانيا _ سورية مشتركة ،رأس الجانب الألماني عالمة الآثار(ايفاشترومنغر) لروحها السلام، ومجموعة من العلماء الآخرين ، ومن الجانب السوري الأستاذ مرهف الخلف ،محمد العزو، محمد الجراد، بدأ التنقيب الأثري فوق قمة التل، وعثر المنقبون على لوحة فسيفساء أبعادها ( 10×10متر) ، تعود لكنيسة من القرن السادس م، ومن هنا جاءت تسمية( تل البيعة ) ، لان كلمة بيعة تعني الكنيسة. دامت أعمال التنقيب الأثري/ 14عام/ ، وبعد ستة أعوام من التنقيب تم العثور على على رقيم مسماري بابلي بيضوي الشكل مدون عليه النص التالي :(هذه مملكة (توتول) وإلاهها( دجن ) (رامان) إله الخير، والخصب، والزرع . وعثر أيضآ على المئات من القطع الأثرية المتنوعة ،وعثر أيضآ على مجموعة من الجرار الخزفية، والجرار الفخارية، وأنواع من خرز العقيق ، والمرجان، واللازورد، وقطع فضية وذهبية. كانت كلها معروضة في متحف الرقة الأثري في صالتين كبيرتين ، وللأسف الشديد جميعها سرقت من قبل جنود حيوانات المملكة المتوحشة. وتعتبر ( توتول) أيضأ ميناءاً رئيسآ على الفرات الأوسط، وكانت تجبي ضرائب كثيرة من السفن القادمة من (كركميش) على الفرات الأعلى، الذاهبة إلى مدينة (ماري) على الفرات الأدنى . أيضآ كشف التنقيب الأثري عن قصور الألف الثاني ق.م وقصور الالف الثالث ق.م
*********
وتُظهِر أطلال التل سمات مدينة قديمة واسعة، تتألف من هضبة مركزية، يحيط بها سور، هي مدينة توتول التي كانت تتمتع بنفوذ واسع في الألف الثاني قبل الميلاد. تبلغ أبعاد التل /700×800م/، ويتصل به من طرفه الجنوبي الشرقي خارج سور المدينة تل منخفض مستطيل الشكل تقريباً، يعتقد أنه يحوي في داخله أطلال بناء من الفنرة الليزنطية.
تعود مدينة توتول الاثرية لعصر ( اوروك ) وفي الالف الثالث قبل الميلاد تحولت إلى مدينة كثيفة السكان و محصنة بألاسوار المرتفعة ، واشتهرت ( توتول) قديما بصناعة الفخار حيث تم الكشف عن مشغل ومصنع وفرن لصناعة الفخار والكثير من الصناعات الفخارية - اواني - الواح .. وغيرها ، ومن المكتشفات الهامة في المدينة القصر والكنائس ولوحات الفسيفساء الرائعة ، وكذلك الاختام التي تعود للعصر الاكادي والكتابات السريانية ،وقد ارتبط عصر أوروك ـ نسبة إلى مدينة أوروك في جنوبي بلاد الرافدين باختراع الكتابة التصويرية في نحو منتصف الألف الرابع ق.م. ولم تخضع طبقات هذا العصر إلى دراسة موسعة لوجود طبقات ترابية كثيفة، وقد أدت التنقيبات إلى الكشف عن بقايا عمرانية أهمها:
*********،
ـ معبد من النماذج المنتشرة في شمالي سورية ووسطها والمعروف باسم المعبد ذو الرواق ، ويقع خلف سور المدينة من الضلع الجنوبي بالقرب من البوابة الغربية. وتم الكشف عن معبد رئيس لإله المدينة المعروف باسم "دجن"، ويقع في المنطقة الشرقية الوسطى من التل المركزي. كما كشف هناك عن سلسلة من القصور تقع في التل المركزي، تظهر هذه القصور تبايناً في النماذج المعمارية، مما يعكس التأثيرات والتبدلات الحضارية والسياسية التي خضعت لها المدينة. أهمها مادعي بالقصر المحترق، أو القصر "ب"، ( ومن الصدف الجميلة أن هناك في الرقة الإسلامية أيضاً القصر المحترق) العائد إلى الألف الثالث ق.م والقصر "آ" العائد إلى العصر البابلي القديم في الألف الثاني ق.م، الذي يحيط بالممر المؤدي إليه برجان بارتفاع 12م لكل منهما، والذي عثر فيه على عدد كبير من الرُّقُم المسمارية ذات الطبيعة الإدارية. كما وجدت في أماكن مختلفة في مركز التل أبنية ذات طبيعة تعود إلى عصور مختلفة، وتحوي في داخلها مستودعات وتنانير وبيوت سكن تعود إلى مختلف عصور حضارة توتول، وهي ذات نماذج معمارية متباينة، إضافة إلى مدافن للسكان من مختلف الطبقات شيدت داخل بيوت خاصة وفي ساحات مكشوفة، وفي مقبرة خارج أسوار المدينة تقع في الجهة الشمالية من التل. كما عثر على قبور ملكية تعود بتاريخها إلى النصف الأول من الألف الثالث ق.م، وهي مبنية بطوب غير مشوي فوق الأرض مباشرة، ويبدو أنها معاصرة لأبنية قصر لم تكتشف بعد. وتبين أن أسوار المدينة قد شيدت بلبن غير مشوي، وتبلغ سماكة سور المدينة الأقدم (8م)، كما عثر على بيوت العامة من الناس في السهل الجنوبي ذات جدران صماء، وعثر أيضاً على بوابة في الطرف الغربي تستقبل سهل زراعي..
*******
بدأت مدينة توتول تفقد أهميتها تدريجياً منذ نهاية الألف الثاني ق.م، وقد ورد اسمها آخر مرة في القرن الثاني عشر ق.م على أنها مركز حدودي بين الحثيين والآشوريين، ثم تلاشت أهميتها نهائياً في عصور لاحقة. وقد أسس السكان مدينة جديدة في القرن الثالث ق.م باسم نيكفوريوم إلى الجنوب من أطلال مدينة توتول واستخدموا المدينة القديمة لدفن موتاهم، ومنذ ذلك الحين لم نعد نسمع باسم توتول..
*********
تلقي النصوص المسمارية المكتشفة في تل البيعة أضواء على أهمية مدينة توتول من الناحية الدينية والاقتصادية والسياسية والقضائية، وكان إله المدينة"دجن" يتبوأ مركزاً مرموقاً في مجمع آلهة شمالي بلاد الرافدين، إذ تذكر النصوص أن سرجون ملك آكاد قد صلى في معبده في أثناء حملته على سوريا، وأن حفيده «نارام سن» طلب منه المساعدة لتدمير مدينة إبلا، كما أن ملوك ماري المتأخرين كانوا يطلبون منه منحهم القوة والبأس.
********&
وقد ذُكر اسم توتول أكثر من مئة مرة في وثائق إبلا دون أن تشير هذه الوثائق إلى أسماء حكامها، وتبقى الأحداث السياسية في عصر فجر السلالات الباكر والعصر الأكادي غير معروفة جيداً، وكل ما نعرفه أن الوثائق من عصر"إمار ـ سن" وهو من حكام سلالة أور الثالثة، تذكر أمير مدينة توتول. غير أن النصوص المكتشفة في قصر ماري، والتي تؤرخ في العصر البابلي القديم، تعطينا صورة أوضح عن العلاقة بين المدينتين، وعن الأوضاع السياسية والدينية، ولاسيما فيما يتعلق بعبادة الإله دجن، وعن التجارة وطرق السفر، والموقع الاستراتيجي المهم، ووفرة الغلال الزراعية.
*********
كانت توتول تتمتع بعلاقات متميزة مع جنوبي بلاد الرافدين وعيلام، وبعلاقات أوثق مع سورية الداخلية في عصر حضارة أوروك، وقد نمت هذه العلاقة لتشمل حوض البليخ وتل خويرة في عصري أور الثالثة والبابلي القديم، كما لوحظ وجود علاقات قوية بينها وبين بلاد بابل وآشور.
*********
أدت أعمال التنقيب في السنوات الأخيرة في تل البيعة إلى الكشف عن لقى أثرية، وبقايا عمرانية يعود أقدمها إلى عصر أورك في الألف الرابع قبل الميلاد، وأحدثها إلى العصر الزنكي من الفترة الإسلامية القرن الثاني عشر ميلادي..
الباحث محمد العزو
تعليقات