الرقة في العهد اﻷموي

وجاش بأعلى الرقتين بحارها
و:
أهلا وسهﻵ بمن أتاك من الرقة
يسري إليك في سخبه
العهد اﻷموي يبدأ بمبايعة الخليفة "معاوية بن أبي سفيان"سنة(41 هجري) وينتهي بمقتل"مروان بن محمد" سنة (132 هجر)، ودام الحكم اﻷموي (91) سنة وتسعة أشهر..مدة زاهرة مليئة باﻹنجازات والعطاءات التاريخية والحضارية،يطرب لها التاريخ، وتتغنى بها كل اﻷجيال على مر العصور، ويقسم العهد اﻷموي إلى مرحلتين، اﻷولى
تبدأ مع الخليفة " معاوية" سنة"41"هجرية، والثانية تبدأ مع مبايعة"هشام بن عبد الملك" خليفة للمسلمين سنة ( 105هجر). ترجع عﻻقة اﻹمويين بالرقة إلى أمد بعيد، وذلك منذ كان
معاوية واليأ على الشام كلها إذ وﻻه إياها الخليفة "عثمان بن عفان" الذي بويع بالخﻻفة سنة ( 24 هج-644م) وقتل سنة (35هج - 656م)،وفي عهد عثمان، كان جميع وﻻة الشام وأمصارها تحت أمر "معاوية"..اهتم اﻷمويون بالرقة كثيرأ،كونها كانت من أهم المدن ذات الطابع العربي، وهنا أود أن أشير إلى أن العرب قد سكنوا الرقة منذ القرن الرابع ق.م بشكل كبير، حيث أن هجرتهم هذه تعد من الهجرات التي تلت هجرات سابقة قديمة..كانت الرقة محطة مهمة لجيش
معاوية الذاهبة إلى أرمييا،ومحطة له إلى غزو الروم،فكانت الرقة أيضأ تمون كافة الجيوش الأموية التي تحارب الخوارج و الروم..وكانت تشرف على القبائل العربية في الجزيرة الفراتية والتي كانت مركزأ من مراكز الخوارج،وكانت الرقة أيضأ تشرف على كامل الجزيرة السورية العليا، التي كانت درعأ..وقاعدة ﻹنطﻻق الجيوش إلى الشمال والشرق فنرى الخليفة اﻷموي "مروان بن الحكم" في عام (65 هجري) قد جهز جيشأ جرارأ قوامه(30) بقيادة عبيد الله بن زياد،أرسله إلى الجزيرة الفراتية، لغرضين أساسيين أولهما محاربة " زفر بن حارث الكﻻبي" الهارب من معركة "مرج راهط" إلى "قرقيسيا" الواقعة على نهر الخابور"البصيرة" مع قومه من القيسيين أعداء اﻷمويين،ومن ثم التجأ الى الرقة،فبنى له مسكننا إلى الشرق من دير " زكى"في وادي البليخ على تل يسميه أهل الرقة اليوم ب"تل المزيفرة"،ويطل هذا التل على الضفة الغربية للنهر وأطﻻل المسكن ما زالت ظاهرة للعيان ويطل هذا التل على ضاحية الصالحية شرقأ،وعلى بطياس جنوبأ، وعلى مقربة منه بإتجاه الجنوب الشرقي، يقع تل زيدان، الذي يخبئ في ثناياه
آثارها حاضرة مدنية ،لعبت دورأ رياديأ في تاريخ سورية القديم بشكل عام، وتاريخ مدينة الرقة بشكل خاص،ويعود تاريخ السكن فية إلى اﻷلف السادس ق.م. وفي الثنايا الواقعة شرقي هذا التل توجد مقبرة قديمة دفن فيها الكثير من الشعراء والعلماء الذين عاشوا وماتوا في الرقة إبان العهد اﻷموي، ومنهم على سبيل المثال ﻻ الحصر الشاعر"أبو زبيد الطائي"،وقد ورد ذكر هذا التل في شعر البحتري،وسمي بتل زيدان على إسم كاتب ومراسل الديوان عند والي الرقة آنذاك،حيث كان يسكن الرقة السمراء، ومن ثم بنى له بيتأ فوق قمة التل وسمي التل بتل زيدان أو زيدون.. والغرض الثاني من تجهيز هذا الجيش هو،محاربة التوابين من الشيعة بقيادة زعيمهم "سليمان بن صرد الخزاعي" وسار "عبد الله بن زياد"قائد"مروان بن الحكم" بجيش قوامه ثﻻثون ألفأ من المقاتلين النخبة،حتى وصلوا الرقة وفيها انفصل عنه خمسة من أمراء جيشه هم :شرحبيل بن ذي القﻻع الحميري،وأدهم بن مخرز الباهلي، وجبلة بن عبدالله الخنعمي،والحصين بن نمر السلولي،وربيعة بن المخرق الفنوي،ساروا حتى وصلوا"عين الورد وفي "عين الوردة" وقعت معركة كبرى،قتل فيها"سليمان بن صرد الخزاعي"..كان مجموعة من أمراء اﻷمويين يغزون الثغور البيزنطية،وكانت الرقة تمون جيوشهم،ومن هؤﻻء اﻷمراء"عبدالله بن عبد الملك"وأخيه الشجاع"مسلمة بن عبد الملك" وفي عهد الخليغة"عمر بن عبد العزيز( 101-99هجر.)، مونت الرقة جيش"مسلمة"في محاربة الخوارج،وكان جميع وﻻة الجزيرة ينزلون الرقة،وكان لبعضهم قصور،ومزارع على اليليخ، ونزلها جمع من الصحابة،والتابعين والعلماء، والشعراء،والمحدثين وكانت بيئة الرقة الهادئة، وطيبة
أهلها،ومناخها المعتدل،وطيب هواؤها، ورخص أسعارها،مما جعلها بيئة مﻻئمة لحياة أولئك العلماء على مختلف أطيافهم، وهناك سبب آخر جعل الرقة محطة جذب، هو طابعها العربي النقي..وممن نزل الرقة"الوليد بن عقبة بن أبي المعيط"من عبد شمس،وأمة"أروى بنت كربز" من قريش من عبد شمس، وهي أم"عثمان بن عفان"،وعقبة محارب شجاع،ومن فتيان قريش، وقد وﻻه الخليفة عثمان واليأ على الكوفة،إﻻ أنه كان (ماجنآ)،فجلده عثمان وعزله من الخﻻفة،فسار إلى الرقة
فسكنها ومات فيها،ودفن بجنب الشاعر "أبو زبيد الطائي"،وذلك حسب وصيته،وكان الوليد يمتلك نبعأ،في أراضي الرقة تسمى بعين "الرومبة"،وهي اليوم عين عيسى، التي تبعد عن الرقة مسافة(65كم)شماﻻ، وله فيها مزرعة كبيرة،وعلى حياته أعطاهأ إلى صديقه الشاعر"أبي زببد الطائي" ومن بعد الطائي آلت إلى الرشيد
وورثته..كأن أبو زبيد الطائي رقي المولد والنشأة،صديقأ مﻻزمأ للوليد، وكأن الوليد يعز آبا زبيد كثيرأ،وﻷبي زبيد قصيدة يمدح فيها الوليد بقوله:
إن الوليد له عندي وحق له
ود الخليل ونصح غير مذخور
لقد رعاني وأدناني وأظهرني
على اﻷعادي بنصر غير تقدير
واختلف المؤرخون في وفات الوليد، فبعضهم يقول، أنه مات في الرقة، ودفن على البليخ بجانب قبر الشاعر الطائي،إلا أن القشيري يقول، أنه مات ودفن في ضيعة له في السبخة،
وهي ذاتها السبحة في يومنا هذا.. ومن أبناء الرقة الذين سجلوا حضورآ مميزآ،إبان ظهور اﻹسﻻم الشاعر"أبو زبيد الطائي"، فهو رقي المولد والنشأة،وكان مسيحي المذهب،إﻻ أنه كان أول المتصلين بالخليفة عثمان بن عفان في مكة المكرمة،وبمعاوية في دمشق في صدر اﻹسﻻم،فهو بموقفه هذا،لم يرى أية صعوبة قي اقتحام هذه البيئة الجديدة،ولم يرى انها غريبة عليه،بل رأى فيها بيئة قريبة منه،يفهمها وتفهمه إنها البيئة العربية،التي نشأ وعاش فيها منذ طفولته في مدينته الرقة،مسجﻻ بذلك اﻹرهاصات الاولى في العيش المشترك الواحد والشعور باﻹنتماء القومي، وان اختلف المذهب،وعرفانآ بهذا الموقف،فقد كان للشاعر الطائي صفحه بيضاء في تاريخ اﻷدب العربي ومن الذين كرمهم اﻷدب العربي واعترف بدورهم بين أدباء وشعراء العرب"حرملة بن المنذر بن معدي كرب" من قبيلة طي،وهو شاعر أدرك الجاهلية واﻹسﻻم،وكان يدين بالمسيحيه،ومات على دينه،عاش في الرقة ومات ودفن فيها،وقدجالس الملوك منهم "المنذر"ملك الحيرة..ومن شعراء الرقة أيضأ "عبيدالله بن قيس الرقيات"واسمه
"عبيدالله بن قيس ابن شريح بن مالك بن ربيعة"من قريش ولد في المدينة سنة(14هجر.)، ويعتبر من شعراء السياسة والغزل المشهورين،ولقب بالرقيات ﻷنه كان يشبب رقية وسلمى ابنتي عبد الواحد بن أبي سعد نزل الرقة حين وقعة "الحرة" التي وفعت في المدينة المنورة سنة ( 63هجر) التي اقتتل فيها أهل المدينة وجيش يزيد،بسبب خلعهم ﻹبن معاوية،وقتل بعضأ من أهل الشاع فرثاهم وبكاهم بقصيدة محزنة،وكان موقفه من بني أمية بعد موقعة الحرة موقفأ معاديا،وفي عهد "عبد الملك بن مروان"استشفع
بعبدالله بن جعفر بن أبي طالب، حيث نال اﻷمان من الخليفة،فقال يخاطب عبدالله بن جعفر بقصيدة
مطلعها:
أتيناك نثني بالذي أنت أهله
كلما أثنى على الروض جارها
إلى أن يقول:
ذكرتك إن فاض الفرات بأرضنا
وجاش بأعلى الرقتين بحارها
وقد ورد إسم الرقة والبليخ ورياض الرقة في شعر عبيد الله بن قيس الرقيات في قصائد عده منها قوله:
اقفرت الرقتان فالقلس
فهو كأن لم يكن به أنس
فالدير أقوى إلى البليخ كما
كما أقوت محاريب أمة درسوا
وفي مدح أحد أﻻمراء يقول:
لم يصح هذا الفؤاد من طربه
وميله في الهوى وفي لعبه
أهﻻ وسهﻻ بمن أتاك من الرقة
يسري إليك في سخبه


الباحث محمد العزو

تعليقات

المشاركات الشائعة