طقوس سكارات نهر البليخ

السكارات هن الصبايا والنسوة اللواتي كن يقمن بمعونة من الشباب بتسكير مجرى النهر، في سبيل إرواء اﻷراضي الزراعية الواقعة على ضفتي النهر وأخص نهر البليخ حصرأ الذي يبلغ طوله " 110 " كم وعرضه وسطيأ " 15 " متر وعمقه "4 " أمتار ، في زمن لم تعرف البشر بعد رافعات الماء بواسطة الديزل..كان ذلك في بداية القرن الماضي المنصرم ، وكلمة سكارات مشتقة من فعل سكر أي سد وسكر بفتح أوله وأخره، وهي كلمة آرامية - سريانية( سكر، سكرو، سكيرو) وهناك موضع على البليخ يدعى( صكيرو ) أي سكيرو محرفة عنها، والسبب في هذه التسمية أن صكيرو كانت مجمع لسكور كثيرة على البليخ وفروعه وروافده على مسافة تمتد ما بين الدوغانية حتى صكيرو، ما زالت آثارها باقية لحينه.. قبل بدء الموسم الزراعي، يقوم أصحاب اﻷراضي الزراعية مجتمعين باﻹستعداد لعمل سكور لري أراضيهيم الواقعة على ضفتي النهر..لذا يبدأون بجمع السكارات ممن لهن خبرة في عمل السكور، ويحدث أن تكون هناك عائلة كاملة ممن كانت لها خبرة في ذلك، فتنصب الخيام أو بيوت الشعر(المكورنة أو المثولثة) وفي هذه الحالة يكون نزل الرجال منعزلأ عن مسكن النساء، ومنذ اليوم اﻷول يبدأ العمل حيث تقوم الصبايا بجلب نبات الشوك من عاكول وبﻻن وقندليس ونباتات أخرى على شكل "هوكات" مربوطة ربطأ جيدأ بالحبال أو بخيوط السعف أو القنب، فتكدس بالقرب من المكان المزمع فيه سد مجرى ماء النهر والتحكم فيه، ويا ويل من يقترب من الغرباء بالنسوة أثناء العمل فسيرى منهن الويل، أما الرجال فيقومون بجلب اﻷحجار وعمل السواقي التي ستستجر ماء النهر بعد سد مجراه، كما يقوم الرجال بوضع القاعدة الحجرية في القاع ضحل الماء، وفي المساء تقوم الصبايا بتجهيز العشاء للجميع والكل يجتمع على سفرة واحدة مما يثير نوع من اﻷلفة والمحبة والشعور بالطمأنينة بين الجميع، وبعد اﻹنتهاء من تناول وجبة العشاء تبدأ الصبايا بالغناء الخفيف وإقامة الدبكات من الفلكلور الرقي الشهير ، وتستمر الحالة هكذا حتى اﻷيام ما قبل اﻷخيرة حيث يبدأ الجميع ببذل جهودأ إنشائية كبيرة بوضع ودق أوتاد على شكل أعمدة خشبية حتى الطبقة البيلونية بإرتفاع أربعة أمتار بشكل منحني مع عرض النهر، وتترك مسافة نصف متر بين كل عمود وأخر ويليه صف آخر وثالث أحينأ من اﻷعمدة والمسافه بين كل صف من صفوف اﻷعمدة "50"سم، تملئ الفراغات بين صفوف اﻷعمدة بهوكات الشوك والبﻻن والسوس مع قطع اﻷحجار ، وتترك مسافة نصف متر في الوسط مفتوحة بشكل طوﻻني لجريان الماء وإمتصاص ضغط الماء الخارجي، هذه الفتحة تغلق وتفتح حسب الحاجة إلى كمية الماء، ثم توضع مرة أخرى طبقات متناوبة من الحجارة الثقيلة وربطات الهوكات النباتية بشكل متناوب فوق بعضها البعض على شكل أفقي وعمودي حتى يتم اﻹنتهاء من سد مجري النهر الرئيس، ويبدأ الماء بالجريان في السواقي التي أعدها الرجال على جانبي السكر ﻹرواء الحقول الزراعية..عند هذه النقطة الهامة والكبيرة تبدأ وتيرة اﻹحتفاﻻت تتصاعد باﻹنتصار الكبير على الطبيعة وعلى النهر الجامح ، فتبدأ الدبكات الفلكلورية الرقية المشتركة على الزمارة مثل:( ياﻻسمر ياﻻسمر حبيبي ياﻻسمر، وخمسة"ديرجة" والقوصار، ومن أجل أبو ردوني يا ناس عينوني) ومن ثم تبدأ الصبايا بإقامة دبكة أو رقصة" الهولي هولي" سميت حديثأ "بالهلي"، وهي رقصة خاصة بالصبية تبدأ بحركة دائرية وتزداد سرعة الحركة فيها مع إرتفاع وتيرة اللحن الغنائي، وهي دبكة مغلة الدائرة علمأ أنها رقصة أو دبكة فرح وسرور، بعكس دائرة الندب على الميت المغلغة الي تعبر عن فكرة الموت المطلق، والهولي هولي إسم ﻵلهة فينيقية كانت تعبد في" أوغاريت" ..يستمر الشدو والغناء والفرح العارم ويتوج بإقامة "مسرحية الشياب" الرقية الشهيرة وكأنها ليلة زفاف عروس في ليلتها اﻷخيرة حتى صباح الليلة اﻷخيرة ، ففي هذا الصباح تذبح الخراف وتأتي جماعات ووفود من القري القريبة للمشاركة في اﻹحتفاﻻت والمشاركة في حالة كرنفالية عظيمة حتى مساء اليوم الثاني..تنتهي إحتفالية السكارات في صباح اليوم التالي من تسكير مجرى النهر وعزر الماء بإتجاه الحقول المراد سقيها..هذه اﻹحتفالية الطقسية الكرنفالية على البليخ في أرض الرقة لها ما يناغمها من إحتفاﻻت في نهاياتها اﻷخيرة في كل من اليونان وأوروبا، ففي اليونان أثناء اﻹنتهاء من جني موسم قطاف العنب، يبدأ الناس بإحتفالية كبرى تبدأ من جبال اﻷولمب على شاكلة مارثونية بإتجاه "اﻷكروبول" اﻷثيني حيث يكون مجمع اﻵلهة، وتستمر اﻹحتفاﻻت يوم وليلة تنتهي بغناء نشيد القوة البشرية، وهناك ما يحاكي اﻹحتفالية الرقية في ما يسمية أهل أوروربا بيوم اﻹنتهاء من قطف مادة "الخميل"في أوروبا، وهي مادة تدخل في صناعة مادة"الجعة" ويقوم بهذا العمل الشابات والشباب ينتهي بإحتفالية كبيرة غالبأ ما تنتهي بعقد قرانات زواج متعددة..وسد مجرى النهر وهبت على جنبات البليخ رياح الصبا وفاح عطر النفل ومسك سكارات البليخ الماجدات

الباحث محمد العزو

تعليقات

المشاركات الشائعة