الرقة البيضاء في عهد الخليفة"هشام بن عبد الملك
إلى أهل الجزيرة بالعوالي
أخذنا الرقة البيضاء لما
رأينا الشهر لوح بالهﻻل
تعود معرفة العنصر العربي بالرقة إلى زمن الملك اﻷشوري"سنحريب" وذلك في القرن السابع ق.م (700)ق.م، وكان تواجدهم على شكل جاليات يعيشون مع وسط أرامي،وشرقي بابلي، وعناصر أخرى..وفي القرن الرابع ق.م(400-ق.م) ، حدثت هجرة واسعة ﻷقوام عربية متعدد من جنوب سورية،عبر أرض الحماد الممتدة، من ضفة الفرات اليمنى، حتى أطﻻل "البتراء" في الجنوب ، قسم من هؤﻻء العرب،نزل أرض الجزيرة الفراتية ومنها أرض الرقة، وقسم آخر منهم،نزل جنوب تركيا وهم العرب "اﻷباجرة"، الذين أقاموا دولة اﻷباجرة، التي استمرت حتى السنوات اﻷولى، ما بعد وﻻدة السيد المسيح عليه السﻻم..هذا ولما فتح المسلمون الرقة،كان العنصر العربي يشكل اﻷكثرية ولذلك،لما حكمها اﻷمويون لم يجدوا أية صعوبة،ولم يروها غريبة عليهم،بل وجدوا فيها بيئة يفهمونها وتفهمهم حتى أن الرقة أصبحت أموية الهوى.. في المنشور السابق جرى الحديث حول الرقة في العهد اﻷموي اﻷول،وفي هذا المنشور حديث عن الرقة في عصر الخليفة"هشام بن عبد الملك"، الذي يمثل العهد اﻷموي الثاني.الخليفة هشام هو عاشر الخلفاء اﻷمويين،بويع بالخﻻفة سنة(105هجر.)،وكانت مدة خﻻفته تسع عشرة سنة وسبعة أشهر..كان الخليفة هشام يمثل الطبقة المثقفة من بني أمية، ولذا منذ أن نزل الرقة عني بها،فوصلها بالبلدات القديمة مثل
الرقة السمراء،والرقة الحمراء،وواسط الرقة،التي أسسها هو نفسه، كما أنه جدد بعض الحصون،وبنى مجموعة من القصور في واسط الرقة،لتأمين اﻷمن ولتكون محطات أستراحة له ولحاشيته، كونهم كانوا يكثرون في الذهاب واﻹياب من الشام إلى الرقة،ومن الرقة ألى الشام،والرقة كانت مقصدهم ﻷسباب عدة، منها أنهم إتخذوا منها مصيغا، بل أن هشام أقام فيها حتى وفاته،وثانيها أن الرقة تقع قبالة الثغور البيزنطية، التي كان يغزوها بنفسه، وعني الخليفة هشام بالزراعة في الرقة، واهتم بري أراضيها من الفرات،وشق اﻷقنية، وأمربحفر الترع والجداول لﻷراضي التي سقيها من نهر البليخ، وعني هشام بتوفير المحاصيل والغﻻت، لتأمين حاجة الجيش من الغذاء،ولتأمين حاجة السكان المحليين..وكما أسلفنا سابقا، فقد شيد هشام في الجانب اﻷيمن أو الغربي من الفرات قبالة الرقة،ضاحية رقة واسط في مكان يسمى اليوم"الكسرات" بنى فيها قصرين كبيرين كان ينزلهما في غدوه ورواحه من الرقة إلى الرصافة،ومن الرصافة إلى الرقة..وفي واسط الرقة التي أصبحت فيما بعد أحد الرقاق الكبيرة،وكانت محاطة بقناتين هما "المري والهني"وبعضهم يقول، المري والمهني،فجرهما هشام من نهر الفرات،وكانتا ترويان بساتين هشام،وأشجار مثمرة كثيرة ومتنوعة كانت تمتد لمسافات طويلة، وفي خمسنيات القرن الماضي كانت آثارهما تبدو في الفضاء الممتد ما بين الجبل ونقطة الطرف الغربي لجسر الرقة القديم، "الذي دمرته قوى الشر اللعينة" وفي ثمانينيات القرن المنصرم قامت دائرة آثار ومتاحف الرقة، بإجراء مسح أثري لمنطقة الكسرات، وقد لوحظ آثار قناتي الهني والمري،كما أن عالمي اﻵثار "هرتزفيلد و سار"، قد إلتقطا في عام(1907م) صور جوية بالكربون المشع(14c)،وكان واضاحآ اﻷثر القديم في الصورة.. وللشاعر"جرير" قصيدة يمدح بها هشامأ وهو مقيم بالرصافة يقول في مطلعها:
شققت من الفرات مباركات
جواري بلغن كما تريد
بها الزيتون في غلل ومالت
عناقيد الكروم فهن سود
فتمت في المهني جنان دنيا
فقال الحاسدون هي الخلود
وجاء في قصيدة أخرى:
ملكوا البﻻد فسخرت أنهارها
في غير مظلمة وﻻ تبع الريا
أوتيت من جذب الفرات جواريأ
فيها الهني وسابح في قرقري
وفي مجال اﻹعمار واﻹنشاء،أحدث الخليفة هشام الكثير من المشروعات واﻹصﻻحات في الرقة البيضاء،حيث أنه أكثر من أسواقها،مثل سوق البزازين، والحدادين،وبنى فيها سوقأ كبيرأ إسمه سوق العطارين وللشاعر اﻷموي الشهير اﻷخطل إشارة إلى كثرة العطارين في زمانه بسوق الرقة بقوله:
إذا الرقة البيضاء ﻻحت بروجها
فدى كل عطار بها أم مريم
وأم مريم إمرأة سريانية كان لديها حانة في الرقة البيضاء وفي رقة واسط وفي زمن الرافقة أصبحت لهذه السوق أهمية كبرى وصارت تسمى بسوق هشام العنيق..وكان من أسواق الرقة في العهد اﻷموي سوق اﻷحد" وكان لمثل هذه اﻷسواق تواجد في مدن الرقة أﻷخرى في فترة ما قبل الميﻻد، وكانت تحمل نفس المسمى"، مثل سوق مملكة آكالتا" وقد ذكر القشيري سوق اﻷحد في الرقة البيضاء ..ولربط الجهة الشامية بالجزيرة الفراتية، ولتسهيل العبور ببن ضغتي النهر، وكذلك لتسهيل عبور الجيوش بين الضفتين،بنى هشام على الفرات جسرا قوامه السفن الخشبية. وكان هشام مولعا بسباق الخيل"وكان ﻻ يفتر عن بعث روح الفروسية في العرب" ومن حين ﻷخر كان يقيم الحلبة إما في مضمار الرقة أو في مضمار الرصافة ، ويتحدث المؤرخون أن هشام ذات مرة أقام الحلبة في ربض الرقة البيضاء"مكان حي الصناعة اليوم" "فاجتمع له فيها من خيله وخيل غيره أربعة آﻻف فرس " وهذا العدد من الخليل لم يعرف له مثيل من قبل هذا وقد نزل الرقة مجموعة طيبة من الصحابة، وألتابعين،والمحدثين،ومن المحدثين نذكر "الزهري"محدث الشام والجزيرة الفراتية،هو أبو بكر محمد بن مسلم بن بن زهرة القرشي،أحد الفقهاء والمحدثين التابعين،ولد سنة( 53 هجر.-670م) في منطقه قريبة من المدينة في الحجاز، وقد سكن الشام، وكان محدثا في جامع رصافة هشام بن عبد الملك، حيث أقام فيها عشر سنين في زمن الخليفة هشام، وكان علمه وتعليمه بدواووين بني أمية، توفي سنة(741 ميﻻدي). ومن الصحابة الذين سكنوا الرقة في زمن الخليفة هشام، نذكر وابصة بن معبد اﻷسدي،كان يسكن الكوفة ثم سكن الرقة وتوفي فيها،وقبره كان معروفأ في وسط الجامع اﻷموي في الرقة البيضاء..وممن عاش في الرقة البيضاء من التابعين يزيد بن اﻷدهم،وكان يعرف بأبي عوف وهو ابن أخت ميمونة زوج النبي"صلعم"ويقول المؤرخون أنه كان ثقة كثير الحديث..ومن التابعين عاش فيها سالم بن وابصه بن معبد اﻷسدي الرقي،كان يكثر من الحديث عن النبي"ص"،كان إمام مسجد الرقة البيضاء وقاضيها،وكان يقرض الشعر توفي في نهاية الربع ااﻷول من القرن الثاني الهجري، وكذلك نزل الرقة ميمون بن مهران،الذي كان يكنى بأبي أيوب، كان كثير الحديث، ومن الكتاب نزلها عبد الحميد بن يحيى بن سعد من أهل اﻷنبار، كان يدين بالوﻻء لبني أمية، أطلق عليه ابن عبد ربه : عبد الحميد اﻷكبر،وقيل أنه كان معلم للصبيان في الكوفة، ثم أنه انتقل إلى الرقة البيضاء معلمأ، وللجهشياري في كتاب"الوزراء والكتاب" إشارة إلى أن أهل وأقارب عبد الحميد،كاتوا يسكنون الرقة الحمراء على الفرات التي تقع إلى الشرق من الرقة السمراء، وقيل أنه ﻻزم مروان بن محمد عندما كان واليا على أرمينيا،وكان مكان إتصاله بمروان بالرقة، وجاء عبد الحميد بطريقة جديدة في الخط والكتابة شرعها للخطاطين والكتاب، وتعد رسائل عبد الحميد من روائع اﻷدب الفراتي..ومن روائع ما خلفه الأموبون من المدن والحصون نذكر حصن مسلمة بن عبد الملك الذي يقع شمال مدينة الرقة مسافة سبعون كم. والتنقيبات اﻷثرية التي نفذت في هذ الحصن الذي يسميه أهل المنطقة بمدينه الفار، أماطت اللثام عن بقايا أبنية سكنية من العهد العباسي، وأخرى من العهد اﻷموي، كما أنه تم الكشف عن خزانات مياه الشرب، وهي تشبه خزانات الرصافة لكنها أصغر حجمأ،وتم العثور في هذه المدينة التي تقدر مساحتها ب"20" هكتارا،على مجموعة طيبة من الخزف والزجاج،وبعض الحلي والعمﻻت والجرار الفخارية، وبعد أفول نجم الدولة اﻷموية أصبحت تحت الحكم العباس وفي القرون الثﻻثة"11، 12، 13"،كانت من أهم مراكز إنتاج الخزف، والزجاج، والفخار تأتي في المرتبة الثانية بعد مدينة الرافقة"الرقة"،وظلت مدينة الفار عامرة حتى الغزو المغولي. وفي السنوات اﻷخيرة من العهد اﻷموي، مرت الرقة بأحداث جسام، أهمها، مشى الضحاك بن قيس الشيباني الخارجي الصفري،في جيوش عظيمة صوب الرقة للقاء مران بن محمد ومعه سليمان بن هشام ابن عبد الملك،وذلك سنة (128هجري)، وكان مروان هو اﻵخر قد أرسل جيشأ لمحاربته، فالتقى الجيشان عتد"كفر توتا" الواقعة بالقرب رأس العين،وظلت المعركة دائرة أياما عدة إلى أن قتل الضحاك، وتفرق الخوارج ورحلوا عن الرقة "وما أشبه اليوم باﻷمس"،وقد تضررت الرقة كثيرا بسبب دخول فرق من جيش الضحاك إليها خلسة..وفي نهاية اﻷمر لحقت ألهزيمة بمروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، وفي هذه اﻷثناء كأن عبدالله بن علي القائد العباسي واﻷب الروحي للثورة العباسية مقيمأ بالرقة،حيث أرسل أخاه عبد الصمد في طلب مروان،الذي سار ألى دمشق ومنها ألى مصر،وفيها قبض على مروان وقطع رأسه، وبذلك أفل نجم الدولة اﻷموية نهائيأ
تعليقات