التغريبة "الرقاوية" تغريبتان..
التغريبة الرقاوية
أما الأولى: فكانت حين خراب "الرقة" على يد "المغول"، فبعد أن دمر "المغول" "بغداد" سنة/656 هج.- 1258م/ ، وبعد تقدم قواتهم في عام/1259م- 657هج./نحو الغرب، ودخولهم مدينة "الرقة"، فقد رافق ذلك الدخول كثيراً من مظاهر العنف والتدمير لمنشآت المدينة المعمارية، وقد تم العثور في خرائب "الرقة" على آثار حرائق هائلة( التل الأسود)، وآثار حرائق أخرى( تل الفخار وتل الزجاج)، وعثر على عظام بشرية محروقة، وهذا دل ويدل على أن المدينة لفظت أنفاسها الأخيرة، نتيجة ضربة "المغول" القاسية لها.. لكن قبل وصول قوات المغول "للرقة"، كان كثير من سكانها قد هربوا، وهاجروا إلى المدن السورية، مثل "حلب" و"حماة و"محردة"، وقد أخفوا متاعهم الفاخر الثمين من جواهر وذهب وفضة، فدفنوها تحت أرضيات غرف نومهم، وفي الآبار ، وفي الجدران والكوى المغطاة بالدشم الكبيرة على أمل العودة بعد انسحاب التتار، لكن خاب أملهم، لأن المغول بقوا مدة طويلة جداً، ولم تستطع الأجيال اللاحقة العودة إلى الرقة مطلقاً.. ومن حينها تحولت "الرقة" إلى مجموعة خرائب تسفيها الرياح، وتنغط فيها الغربان ليس فيها أنيس ولا جليس، وخربت فيها الحياة الاقتصادية، وظلت أكثر من ثلاثمئة سنة خالية من السكان، إلى أن هاجرت إليها مجموعات سكانية، على شكل عشائر وأسر، وهؤلاء السكان الجدد ليس لهم أي علاقة بالسكان، الذين هاجروا منها أثناء احتلال المغول لها، ولا تربطهم بأولائك صلة قرابة، فهم بنية سكانية جديدة كلياً..
أما التغريبة الثانية، فهي التي حدثت عندما تعرضت له "سورية" بشكل عام، و"الرقة" بشكل خاص من مؤامرة رافقها قتل وتدمير، واحتلت "الرقة" من قبل جماعات مسلحة، كل واحدة منها لها دينها الخاص؟!!.. ما حدث من قتل وانتهاكات جاء التهجير والإخلاء القسريان، سواء على مستوى الوطن، أو على مستوى "الرقة"، كي تُكمَلْ سيرورة هذه المعانات، التي ما زالت مستمرة.. تسعون بالمئة من أهل "الرقة"( اقصد سكان المدينة حصرأً من الأوائل) ، قد هجروا بيوتهم وأرضهم وحياتهم وذكرياتهم مرغمين وبالقوة، لتعلقهم بالحياةولكي يبقوا أحياء، متجرعين كؤوس سم الحياة، ويعانون في كل يوم وكل لحظة الانكسار واليأس، وليس من ضوء ينير لهم الدرب ومستقبل مجهول، و"الرقة" بعد ثمان او تسع سنوات من التغريبة القسرية، لم يعد إليها حتى 3% من سكانها الأصليين.. الأمل كبير انه بعد هذا التهجير القسري، ستكون هناك عودة ميمونة للرقيين في قادم الأيام، وأن تكون هذه التغريبه تاريخ وواقع سكان غير التغريبة الرقاوية الأولى، لتثبيت ثقافة أصيلة، ولترسيخ الوجود الشرعي لأهلنا هنا في "الرقة" وفي سائر البلاد السورية، فلا شرعية في بلد إلا لأهلها من المهد إلى اللحد..
الباحث محمد العزو
تعليقات