تل صبي اﻷبيض

وفي الصحف اﻷثرية السورية يكتب تل صبي أبيض اﻷثري ، ويعتبر موقع تل الصبي الأبيض من المواقع الأثرية المهمة جداً في محافظة الرقة، لكونه الموقع الوحيد في المحافظة، الذي يغطي مرحلة البرونز الأخير بشكل شامل وجلي، وأعمال التنقيب الأثري في هذا الموقع توقفت منذ عام(2011م) ، والأمل كبير في استمرار هذه التنقيبات اﻷثرية مستقبلأ، وجاءت تسمية تل الصبي الأبيض من أنه كان يتراءى للأهالي قبل مئة عام من الآن عند المساء أنهم يشاهدون صبياً يرتدي لباساً أبيض يقوم من بين القبور ثم يختفي، هذا ما يقوله اﻷهالي أنه أشبه بالخرافة التي هي من نسيج الخيال البشري ..يقع هذا التل شمال شرقي تل حمام على بعد (5كم)، ويبعد عن مدينة الرقة حوالي( 70 كم) شمالاً وسط سهول زراعية تمتد على جانبي نهر البليخ، وترتفع قمة التل فيه (15م) عن اﻷراضي الزراعية المحيطة به، وفي القسم الشمالي من التل توجد مقبرة حديثة ..مر تل صبي الأبيض بمرحلتين تاريخيتين مختلفتين ومتباعدتين، الأولى يعود تاريخها إلى فترة الألفين السادس والخامس (6000 و 5000ق.م) ، والثانية تعود بتاريخها إلى بداية النصف الثاني من الألف الثانية(1500 ق .م)، ومنذ عام (1985م) قامت بعثة هولندية- سورية بالتنقيب الأثري المنهجي في هذا التل، وخلال مراحل التنقيب تم التوصل إلى حقائق أثرية متعددة، منها أنه بدأ اﻹستيطان في هذا الموقع في العصر الحجري الحديث المتأخر/6000-5500ق.م/، وكانت هذه المساحة مغطاة بطبقة سميكة من الرماد، ما يشير إلى أن الموقع قد تعرض إلى حريق هائل أتى على كامل المساكن والمباني فيه، وكما يقول المثل الشائع، رب ضارة نافعة، إذ إن هذا الحريق حفظ لهذه الأجيال كل الآثار من تلك الفترة الزمنية الموغلة في القدم، حيث وصلت إلينا بحالة سليمة وممتازة ..لقد تم العثور على آثار العصر الحجري الحديث الأدنى الذي سبق عصر "تل حلف"( الواقع بالقرب من راس العين) مباشرة على موقع تل الصبي الأبيض كاملاً، وفي القطاع الشمالي الشرقي من التل اكتشفت فيه السوية المتأخرة للعصر الحجري الحديث، وفي هذه السوية تم الكشف عن أفران كبيرة وبعض البقايا المعمارية التي لها مظهر رث، ويعتقد أنها تعود إلى بقايا باحة سكنية تقع إلى جانب المسكن الحقيقي، بشكل عام نستطيع القول إن هذا القطاع تميز بوجود تربة ناعمة ذات لون داكن عثر فيها على كسر فخارية ناعمة ومصبوغة بألوان زاهية، وكانت مصنوعة من تربة زراعية مخلوطة بالرمل، وكانت البيوت السكنية والمستودعات مبنية من مادة اللبن المجفف تحت أشعة الشمس وموزعة بشكل متسق، بحيث نجد المساكن والبيوت موزعة في الجهات الشمالية والجنوبية من التل، وكذلك في الجهتين الشرقية والغربية من الموقع، أما المستودعات فإنها تتمركز في الجهة الجنوبية الغربية من التل .. يوجد أيضاً قصر الحاكم الآشوري الذي كان يتربع فوق قمة التل على شكل حصن عسكري أو قلعة، مع بعض المنشآت المعمارية الحكومية الأخرى، وعن مكتشفات الحفرياتا الأثرية في تل الصبي الأبيض، فقد أبانت وجود خمس طبقات عثر عليها في سوية واحدة يعود تاريخها إلى عصر تل حلف، وبشكل عام تتميز العمارة الحلفية المبكرة نسبة إلى "تل حلف" في هذا الموقع بوجود نموذجين معماريين، الأول نموذج الأبنية ذات المسقطين الحاد الزوايا (المستطيل أو المربع)، والثاني الأبنية ذات النموذج الدائري ( نموذج الثولوي وهو الشكل المعماري الدائري المخصص للتخزين فيه) ، إن هذين النموذجين من العمارة في تل الصبي الأبيض، هما من نمط العمارة الوظيفية وهي التي تعكس مظاهر وجود نظامين مزدوجين معماريين، كانت جدران الأبنية ذات المسقط الحاد الزوايا، مشيدة بدقة متناهية فوق أساس من الحجر الكلسي المحلي، وربما كانت تلك الأبنية خاصة بالسكن، بينما نجد أن الأبنية ذات المسقط الدائري كانت مخصصة للتخزين، وخاصة في فصلي الخريف والشتاء وأثناء السنوات العجاف .. إن أبنية الثولوي التي نسميها محليأ "الشونة"، يبلغ متوسط قطرها ثلاثة أمتار، ومن الداخل تكون هذه الأبنية مطلية بمادة الجص الأبيض، وقد وجدت أبنية الثولوي في معظمها محفوظة في السوية المكتشفة فيها حتى ارتفاع محدود، وعثر داخل أبنية الثولوي "الشونة" على كمية كبيرة من الحبوب المحروقة، وإن هذا الحريق الذي حدث في هذه الأبنية، لم يكن مجرد حادثة عابرة، بل كان بفعل فاعل .وعن اللقى الفخارية التي وجدت في تل الصبي الأبيض، تم العثور فيه من فترة حلف المبكرة على فخار من النوع المدهون ومزخرف بأشكال هندسية عادية لا تخلو من نماذج مزخرفة بأشكال طبيعية، كما عُثر على كسر فخارية بأشكال تجريدية تعبر عن وجوه إنسانية، أما أشكال الأواني الكاملة المكتشفة، فتكون عادة مدهونة ومزخرفة بشكل كامل، وهذا النوع من الفخار المدهون مصنوع من تربة مخلوطة مع ذرات من الكلس، وهو مشوي بشكل جيد، وإلى جانب فخار حلف المدهون عثر في تل الصبي الأبيض على نوع آخر من فخار حلف المصنوع من تربة مخلوطة مع الرمل، ولكنه فخار رديء الصنع وغير مدهون، وهذا النوع من الفخار يمتاز بسطوح مصقولة ومجرودة، وهو نوع بسيط يكون على شكل جرار لبعضها عروات مخروطية الشكل، وهناك مجموعة من الأواني والأكواب الفخارية، ذات جدران رقيقة عليها زخارف هندسية رائعة مصبوغة بألوان زاهية، إلى جانب مجموعة أخرى من اللقى الأثرية المتنوعة كانت معروضة في متحف الرقة الوطني.. في عصر( تل ) حلف(5000ق.م) تقدمت الصناعات المختلفة، وأخذ الإنسان يؤسس بداية الحضارة الناضجة، خاصة بعد أنْ انتقلت موجة الحضارة من الشمال ومن الهضاب المرتفعة الشرقية، إلى الجنوب وإلى الغرب حيث انتعشت الزراعة، فنشأت مدن ومستوطنات عديدة ومنها مستوطنة تل الصبي الأبيض في أرض الرقة الذي نجهل حتى الآن اسمه القديم في نهاية القرن الثاني من الألف الخامس(4800 ق .م)، ويبدو أن الموقع برمته تعرض لهجوم مباغت ودمر بالكامل، ويبدو ذلك واضحاً من خلال طبقة الرماد الثخينة التي تغطي مساحة الموقع كاملة، وخلال مراحل التنقيب الأثري عثر المنقبون على مجموعة هائلة من اللقى الأثرية التي تروي مجريات الحياة اليومية في هذا الموقع، وأهم مجموعة تم العثور عليها هي الرقم المسمارية وعددها بالمئات، وهي على شكل نصوص اقتصادية مراسلات بين حاكم القلعة والمركز في كل من بابل وآشور وقوائم وسجلات وغيرها، كما أنهُ تم العثور في هذا الموقع على مجموعة من الجرار الفخارية، والقطع الذهبية على شكل حلق "تراجي" وأنواع شتى من الخرز الزجاجي والحجري وأنواع حلي الزينة وقطع من البرونز، هذه الكميات من المصنوعات والمصوغات الذهبية اﻵخرى بكميات جيدة وضعت مع قطع أثرية ثمينة تجاوز عددها ال(680)قطعة ، أمانة في البنك الحكومي التجاري السوري، لكن بعد عام (2013م) وهو تاريخ دخول الرقة قوات غير حكومية أخذت هذه القطع اﻷثرية، نأمل من هذه القوات أن تعيد هذا الكنز القومي إلى متحف الرقة ﻷنه يخص الوطن القومي، وهذه القطع مﻻحقة فﻻ يمكن بيعها في اﻷسواق العالمية ﻷنها مصورة ومرسومة ومدونة اﻷوصاف..هذه وقفة حضارية مع موقع تاريخي لعب دورأ رياديأ في التاريخ القديم على أرض رقة الخير والعطاء

الباحث محمد العزو

تعليقات

المشاركات الشائعة