دولة الرئيس سعد الله الجابري
دولة الرئيس سعد الله الجابري
أول ظهور لاسم جابري في حلب يعود لعام 1770 م
و هو تاريخ وفاة الشيخ أحمد الجابري
و الذي كُني بالجابري نسبة إلى جده القاضي العثماني جابر ابن أحمد الحلبي (1 ص 118)
من طرف والدته فاطمة,
حيث والد الشيخ أحمد هو موسى بن أبو بكر
تزوج فاطمة ابنة القاضي جابر(منها حصل الجابري على نسب الشرف و كانت البداية لصعودهم السلم الاجتماعي في الشهباء)
وأنجب منها أحمد و قد ترعرع في كنف جده القاضي جابر بسبب وفاة والده و هو بسن صغيرة,
و قد سكن أحمد في منطقة كانت تدعى العينين (1 ص 118) (حالياً قرب متحف حلب)
خارج أسوار المدينة في ضواحيها الغربية,
لاحقاً أصبح الشيخ أحمد مفتي حلب و نقيب أشرافها و منذ ذلك الحين (النصف الثاني من القرن الثامن عشر) أنجبت العائلة عدد من العلماء البارزين و رجال الدين
و صعد نجم هذه العائلة على مسرح الأحداث الاجتماعية في الشهباء(1 ص 118).
قد ورث الشيخ أحمد أملاك و أراضٍ كثيرة من طرف والدته, و قد نمت الأحوال المادية لهذه العائلة بسرعة كبيرة نهاية القرن الثامن عشر و استطاعوا توسيع أعمالهم و زيادة أملاكهم لاشتغالهم بالزراعة و التجارة (3). . كان للأشراف على مر التاريخ امتيازات معينة, هذه الامتيازات سهلت لهذه الأسر عدة أمور و في بعض الأحيان كانت فرصة لزيادة النفوذ, حيث في الفترة العثمانية كان للأشراف استثناءات في عدة مجالات حيث كان لهم نقابات خاصة لتنظيمهم و للإشراف على الحياة الاجتماعية, و يتم في بعض الأحيان إعفائهم من ضرائب السلطنة العثمانية و منحهم بعض الأراضي و القرى في الريف الحلبي , ساهمت هذه الامتيازات في زيادة نفوذ و ثروة عائلات الأشراف.
تزوج الشيخ أحمد من أربعة نساء :
فاطمة بنت نعمة/ زبيدة شربجي/ خديجة بنت عبد الرحمن/ و أمة الله بنت عبدالله (1 ص 297).
و كان له من الذكور أربعة (أسعد, طه, مصطفى, و يوسف), و له من الإناث (كريمة و أمهان)(1 ص 297).
أسعد بقي في منطقة العينين في دارة العائلة, أما طه فقد انتقل للسكن إلى منطقة الفرافرة (1 ص 118),
يوسف كان معلماً في مدرسة الاسكندرية في منطقة باب الجنان, لاحقاً انتقل إلى اسطنبول و عمل ككاتب في ديوان السلطان العثماني, و تم إرساله إلى القاهرة كمبعوث للسلطان العثماني و بعد عودته تم قتله غدراً و تم دفنه في اسطنبول (1 ص 120). أما مصطفى فقد سكن في سويقة علي, و قد كان مصطفى و أخيه طه موظفين في المحكمة الشرعية (نائبين للقاضي في ذلك الوقت)
سعدالله الجابري: (1894-1947)
أحد إخوة نافع باشا, بعد إتمامه لدراسته الثانوية
أرسله أخيه إحسان إلى استانبول لمتابعة دراسته في الكلية الملكية السلطانية،
فاتصل هناك بالشباب العربي في الأستانة وأسسوا جمعية العربية الفتاة,
لاحقاً أُرسل إلى ألمانيا لمتابعة دراسته درس بها سنتين
و عاد مع بداية الحرب العالمية الاولى إلى اسطنبول و خدم في الجيش العثماني تم تجنيده في الجيش العثماني كجك ضابط وعُين مراقباً على الأرزاق وقوافلها في بلدة (أرض الروم) وقضى مدة الحرب هناك.
و مع نهاية الحرب عاد إلى الشهباء
ودخل في حركة حقوق الإنسان، ولما قامت الثورات عام 1919 إثر نية الحلفاء تقسيم البلاد العربية ودخول الفرنسيين سوريا؛ كان سعد الله الجابري على اتصال بزعيم الثورة في الشمال إبراهيم هنانو يؤيد ثورته ويدعمه، كما جدد اتصاله بمن كان معه في الكلية السلطانية من الوطنيين مثل شكري القوتلي وغيره من العناصر الوطنية. شارك في المؤتمر السوري العام الذي انعقد عامي 1919 و1920 ودعا إلى وحدة سورية الطبيعية
ونظراً لجرأة الجابري في مواجهة الفرنسيين، فقد اعتقل في سجن أرواد مدة من الزمن مع هاشم الأتاسي وجماعة من الوطنيين,
• كان ضمن الوفد الوطني إلى باريس عام 1936 م المطالب بالإستقلال مع مجموعة من الوطنيين.
• شغل سعدالله وزارتي الداخلية ثم الخارجية في عهد كلّ من جميل مردم بك و هاشم الأتاسي,
• عندما انتُخب شكري القوتلي لرئاسة الجمهورية في 1943، تولى الجابري منصب رئيس وزراء سوريا,
• كان سعد الله الجابري رئيس الوفد السوري في توقيع بروتوكول الإسكندرية،
• ورئيس وفدها في اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربي العام، كما حضِر إعلان أنشاء وتأسيس الجامعة العربية
• رئيس الكتلة الوطنية التي قادت عملية تحرير سورية من براثن الاستعمار الفرنسي ويعتبر أحد أهم زعماء النضال الذين قاموا باعادة توحيد سورية بعد أن قسمها الفرنسيون إلى دويلات وتوجت ثمرة نضالهم بجلاء الفرنسيين عن التراب السوري عام 1946
• انتخب نائباً عن حلب في البرلمان السوري عدة مرات
• شغل سعد الله الجابري رئيس حكومتين رئيس مجلس وزراء
• شغل الجابري منصب وزير دفاع
• رئيساً لمجلس النواب السوري عام 1945
في حادث المجلس النيابي، ولولا أن سعد الله الجابري أمر بفض جلسة المجلس قبل أنعقادها لكانت كارثة كبرى لا يعلم إلا الله مداها وذلك يوم ضرب الفرنسيون المجلس النيابي بقنابلهم في حادث 29 أيار 1945.
عندما علمت القوات الفرنسية بنجاة أعضاء البرلمان السوري من القصف أرسلت قواتها للقبض على الجابري الذي كان يقيم في فندق الشرق فتنكر بزيّ راهب وخرج مستتراً بسيارة السفير الروسي سولود فوصل إلى حيفا ومن هناك أبرق إلى لندن ومجلس الأمن فأمرت القيادة البريطانية في فلسطين بالتدخل في أحداث سوريا ودخلت المصفحات الإنكليزية يومها دمشق بتاريخ 17 نيسان 1946 فكان ذلك اليوم عيداً قومياً لسوريا هو عيد الجلاء، وكان لسعد الله الجابري الفضل الأول في تحقيق نتائجه وتأكيد آثاره.
تم جلاء القوات الفرنسية عن سورية، فرحل آخر جندي فرنسي عن التراب السوري في السابع عشر من نيسان عام 1946, واحتفلت الجماهير السورية بزعمائها قادة التحرير [الكتلة الوطنية] بزعامة الجابري.
استطاع أل الجابري من موقعهم الاجتماعي المرموق و نسبهم العريق و سلطتهم الدينية و السياسية نسج شبكة من العلاقات الاجتماعية و المصاهرات مع عدد من أكبر الأسر في الشهباء و بلاد الشام, هذه العلاقات كان لها دور كبير لاحقاً في زيادة دائرة معارفهم الاجتماعية و السياسية في بلاد الشام و ساهمت في انتشار أل الجابري خارج حدود حلب, و لها دور كبير في تبادل مصالح هذه العائلات مع بعضها البعض,
نذكر بعضاً من هذه العائلات: أل إبراهيم باشا, أل أبو دان, أل سباعي, أل كواكبي, أل كوراني, أل كيالي, أل كيخيا,أل مدرس, أل يكن, أل عظم, أل صلح, أل صفدي, ال سياف, أل ريحاوي, أل عُجيلي, أل حيدري, أل فنري وغيرهم . حيث نجد عدداً من الزيجات بين نساء ال جابري على شخصيات سياسية مرموقة و أصحاب القرار بالشرق سنذكر بعض الأمثلة و التي تعطينا فكرة عن قوة هذه الأسرة و أهميتها:
1. فائزة ابنة نافع باشا تزوجت من رياض الصلح أول رئيس وزراء للبنان بعد الاستقلال و الذي اغتيل عام 1951م في الأردن.
2. مودة ابنة عبد القادر عمر تزوجت من محسن البرازي رئيس وزراء سوريا في فترة وجيزة عام 1949 وقد أُعدم إثر انقلاب عسكري أطاح بحكومته.
3. سعدية ابنة إحسان بك تزوجت من وصفي التل رئيس وزراء الأردن الأشهر و الذي اغتيل 1971م على يد منظمة أيلول الأسود.
4. سعاد ابنة محمود تزوجت من ظافر الرفاعي وزير خارجية سوريا في الخمسينات .
5. لمياء ابنة حسن تزوجت من العماد مصطفى طلاس وزير دفاع سوريا الأشهر خلال فترة ثلاثين عام.
6. أمية ابنة عبد الحميد تزوجت من فاضل الكواكبي (ابن عبد الرحمن الكواكبي أشهر مفكري الأمة العربية و احد رواد النهضة العربية في القرن التاسع عشر).
7. ميلا ابنة حسن تزوجت من الدكتور محمود حورية (أحد رؤساء جامعة حلب السابقين). من اللافت و الجدير بالذكر حصول علاقة متينة جمعت أل الجابري مع أل عظم من دمشق حيث حصل عدة مصاهرات بين تلك العائلتين, ساهمت بتوحيد مصالح هاتين الأسرتين الكبيرتين من سوريا. فنجد زواج السيدة جليلة ابنة نافع باشا من صفوح مؤيد العظم (قائد شرطة دمشق), لاحقاً تزوجت السيدة عالية ابنة علاء الدين بيك جابري من نافع صفوح العظم.
مرض سعد الله الجابري في آخر زيارة له إلى مصر، حيث كان هناك لحضور مجلس الجامعة العربية عام 1947، فبقي في الإسكندرية للتداوي من التهاب الكبد الوبائي الذي اصيب به خلال أيام سجنه المتكرر، إلا أن رئيس الجمهورية شكري القوتلي طلب منه الاستقالة من رئاسة الوزارة فاستقال, رجع الجابري إلى حلب وقضى فيها بضعة أشهر، وما لبث أن وافاه الأجل في حزيران عام 1947, شيعته مدينته حلب الشهباء بموكب كبير جليل حاشد, اشترك في التشييع بعثات ملكية تمثل الملك فاروق والملك عبد العزيز آل سعود ورؤساء الدول في جامعة الدول العربية والوزراء والقناصل وممثلو الهيئات السياسية والأحزاب، والهيئات السورية وممثلو الجمعيات والأندية ووجهاء الأحياء ثم جماهير المشيعين
كرس مهندس الاستقلال حياته للنضال، الأمر الذي شغله عن حياته الخاصة فلم يتسنى له الزواج، ولم يخلف ولدا ولا مالا، إذ باع جميع ممتلكاته وصرفها على مشواره النضالي الطويل.
شيعته مدينته حلب الشهباء بموكب كبير جليل حاشد...
المراجع : 1- القرابة الحقة ( الحياة العائلية في حلب العثمانية) للكاتبة الأمريكية مارغريت ميري ويتتر, ترجمة خالد الجبيلي.
تعليقات